صراع سياسي على رئاسة "مجلس الاتحاد" ونقاشات برلمانية محتدمة حول القانون.. مَن سيظفر بها؟
انفوبلس/ تقرير
يدور الجدل في الأوساط السياسية العراقية خلال الأيام الماضية، حول تصريحات رئيس مجلس النواب محمود المشهداني عن منح منصب رئيس مجلس الاتحاد للسُنة، وسط مطالبات بضرورة إبعاده عن التجاذبات السياسية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، فماذا تعرف عن المجلس؟ وما هي أخر مستجدات مشروع قانون مجلس الاتحاد؟
كان من المفترض أن يكون للعراق مجلس اتحادي، أو مجلس شيوخ، يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في الديمقراطية وبناء الدولة في البلاد. وقد جرى إلزام إنشاء هذا المجلس في المادتين 48 و65 من دستور عام 2005. إلا أن "مجلس الاتحاد" ظل حبراً على ورق، فحضر دستورياً وغاب بشكل واقعي، بسبب "خلل دستوري" واضح وتلكؤ من قبل مجلس النواب بتشريع قانون خاص به.
ويحدد دستور جمهورية العراق لعام 2005، السلطة التشريعية في المادة (48) وفق الآتي: "تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد"، وتُحدَّد طبيعة مجلس الاتحاد طِبقاً للمادة (65) وفق الآتي: "يتم إنشـــاء مجلــسٍ تشـــريعـي يُدعى بـ(مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
*ما هو مجلس الاتحاد؟
غالباً ما تتكون السلطة التشريعية في الدول الفيدرالية، من مجلسين، الأول هو مجلس النواب، والثاني هو مجلس الاتحاد، الذي يضم عددا من الأعضاء يمثلون الولايات أو الأقاليم. وهذا المجلس له فوائد متعددة، بالأخص إذا تميَّزَ أعضاؤه بالكفاءة والخبرة. علما أن طريقة تشكيله تختلف من دولة الى أخرى، إلا أن خطوطه العريضة تكاد تكون واحدة.
العراق بما أنه دولة فيدرالية فقد أشار الدستور الدائم في مادته الـ65 ما نصه (يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى بـ"مجلس الاتحاد" يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يُسَن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب).
إلا أن النص أعلاه لم يتم تطبيقه الى هذه اللحظة، وبقي العراق يعمل بمجلس النواب فقط. وبالرغم من أن البعض يرى بأن تشكيل مجلس الاتحاد لن يأتي بجديد، وستتكلف الدولة التبعات المالية دون أن تكون له فائدة حقيقية. على اعتبار أن المحاصصة سوف تصل إليه بطريقة أو بأخرى، وسوف يصبح نسخة مشابهة لمجلس النواب. إلا أن البعض الآخر على العكس من ذلك يرى بأن مجلس الاتحاد سوف يحقق جملة من الفوائد للدولة العراقية، ومن أهمها الآتي:
1– ضبط إيقاعات مجلس النواب:
عندما يكون هناك مجلس آخر، فلن يذهب مجلس النواب بعيدا في حريته، بل سيجد نفسه مراقبا وأحيانا مجبرا على الاستماع الى المجلس الثاني الذي هو مجلس الاتحاد الذي سيحاول أن يمارس صلاحياته، ويعطي رأيه الذي قد يكون أقوى من مجلس النواب في حال نص القانون الذي سينظمه على ذلك.
2– رفد الحكومة بمقترحات وحلول للمشاكل العامة:
بالأخص إذا ما ضم مجلس الاتحاد بين طياته خبراء او أساتذة جامعات، فيستطيع أن يقدم خبرات أعضائه على شكل مقترحات او حلول عملية للمشاكل العامة في البلاد. ويزداد هذا الاحتمال عندما تكون أعمار أعضاء المجلس متقدمة.
3– تمثيل المحافظات والأقاليم بشكل متساوٍ:
عندما يكون لكل محافظة وإقليم عدد متساوٍ من الممثلين في مجلس الاتحاد، فإن هذه الميزة ستزرع الاطمئنان في نفوس سكان كل محافظة، كونها لن تسمح للمحافظات ذات الاغلبية السكانية من فرض نفسها على المحافظات الأقل سكانا، على اعتبار أن ممثلي كل محافظة في مجلس النواب يزداد كلما ازداد عدد سكانها.
4– تشكيل مجلس الاتحاد يساعد في التخلص من المحاصصة:
فلن يكون عدد النواب كافيا، لإخضاعه لقاعدة المحاصصة، وبالتالي من الممكن أن يشكل المجلس الشرارة الأولى لإرساء قواعد الثقافة الديمقراطية الحقيقية. إذن، تشكيل مجلس الاتحاد العراقي من الممكن أن يمد النظام السياسي بمؤسسة جديدة قد تكون ذات أهمية كبيرة في المستقبل.
رأي اللجنة القانونية
وبحسب حديث عضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، فإن "مجلس الاتحاد كما نص عليه الدستور ضروري، فهو مكمل للبنية التنظيمية للدولة الاتحادية كبقية القوانين، لكن لم تُفعّل، إلا أنه ينبغي أن يكون جزءا من منظومة الدولة حسب الدستور، أي كالبرلمان ومجلس الوزراء وليس من خلال تشريع قانوني".
ويكشف عنوز، أن "تحول المجلس لما يشه البرلمان، يتطلب تعديلا دستوريا لتحديد شكله وآلية انتخابه”، مبينا أن "المجلس ينبغي أن يمثل المحافظات بشكل متواز دون الاعتماد على النسبة السكانية التي تُعتمد في مجلس النواب فقط، حيث أن تشريعه بقانون يُضعف من قيمته ويجعله أقل من مجلس دستوري موازي للسلطات الرئيسية".
يرى خبراء قانونيون تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، أنّ مجلس النواب ملزم بالتصويت على قانون مجلس الاتحاد بموجب الدستور، مؤكّدين أن هذا المجلس يعدّ شرطا أساسيا في كل دولة إتحادية في العالم إلا أنه لا يزال حبراً على ورق في العراق.
وأدرج مجلس النواب مطلع الشهر الجاري (شباط/ فبراير 2025)، على جدول أعمال إحدى جلساته، القراءة الأولى لمشروع قانون مجلس الاتحاد والذي يعتبر بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان ونظيرا لمجلس الشيوخ والسيناتورات في الولايات المتحدة.
وفي ظل النقاشات المحتدمة تحت قبة مجلس النواب حول مشروع قانون مجلس الاتحاد، يثار جدل قانوني بشأن الآلية الأمثل لتشكيله، إذ يرى برلمانيون أن المجلس يجب أن ينشأ بتعديل دستوري لضمان دوره كغرفة تشريعية عليا.
ونص الدستور العراقي في مادته الـ65 على أن المجلس سيضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، بحيث تحظى كل محافظة بتمثيل لا يقل عن عضوين، ولم يحدد بشكل واضح صلاحيات مجلس الاتحاد أو آلية تشكيله واختيار أعضائه، إذ أحال ذلك إلى مجلس النواب، الذي ينبغي أن يُشرع القانون الخاص بالمجلس.
وفي وقت سابق، أكد ممثل رئيس الجمهورية، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية كامل الدليمي، أن قانون مجلس الاتحاد خطوة جوهرية لاستكمال الهيكل التشريعي، فيما شدد على أهمية التسريع في إقرار القانون.
وقال الدليمي في كلمة له خلال الندوة الحوارية بعنوان (المبادئ الأساسية في مسودة قانون مجلس الاتحاد الحكومي ومقارنتها بالتجارب الدولية)، إن "موضوعة النقاش المطروحة آنياً تُعنى بأحد أهم المواضيع الحيوية في بناء النظام الديمقراطي والحفاظ على مسيرته وضمان حقوق مواطنيه، وهو قانون مجلس الاتحاد الفيدرالي العراقي"، مشيرا الى أن "هذا القانون يمثل خطوة جوهرية نحو استكمال الهيكل التشريعي للدولة العراقية، وتحقيق الضمانات الدستورية التي نص عليها دستور عام 2005".
وأوضح، أن "تأخر تأسيس مجلس الاتحاد يمثل فجوة تشريعية تتعارض مع روح الدستور العراقي وتَحدُ من التكامل بين السلطات، فقد نصت المادة (48) بوضوح على تكوين السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وأشارت المادة الخامسة والستون إلى ضرورة إصدار قانون ينظم عمل مجلس الاتحاد ويشمل ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، إلا أن تعثر طرح هذا القانون كان دائماً بسبب صعوبة التوافق السياسي والخلافات الحزبية والإرادات المعارضة، التي حالت دون تحقيق الهدف الأسمى، وبقي هذا الجزء الحيوي من الدستور العراقي معطلاً طيلة سنوات وسنوات".
ووفقا لحديث الخبير القانوني علي التميمي، فإن مجلس الاتحاد يستطيع منع مجلس النواب من إصدار بعض القوانين المثيرة للجدل ويمنع وقوع خلافات نحن في غنى عنها، إذ قال إن مجلس الاتحاد يدقق القوانين ومن حقه الاعتراض وإعادة عدد منها، وهذا المجلس مهم وموجود في الكثير من الدول.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، إنّ مجلس الاتحاد هو الحلقة الثانية للسلطة التشريعية بموجب الدستور، وهو يشبه مجالس الشيوخ والأعيان ويضمّ ممثلين عن المحافظات والأقاليم غير المنتظمة بقانون، مشيرا الى ان هذا المجلس سيحفظ التوزان بين مكونات العراق وستشارك فيه العديد من المكونات والمحافظات والاقليم وسيكون له رئيس واعضاء من جميع المكونات.
*ماذا عن حديث المشهداني؟
أثار حديث المشهداني عن منح منصب رئيس مجلس الاتحاد للسُنة، جدلًا في الأوساط السياسية، في وقتٍ طالب خبراء بضرورة إبعاد المجلس عن التجاذبات السياسية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، مؤكدين أن دور المجلس يجب أن يكون حياديًا وموجهًا.
التنافس على رئاسة مجلس الاتحاد لا يقتصر على المكون السني فقط، بل يشمل أيضا الكرد الذين يطالبون بهذا المنصب، في حين يرى ممثلو المكون الشيعي أنفسهم الأحق به كونهم المكون الأكبر في العراق، بحسب حديث المحلل السياسي غالب الدعمي، الذي بين أن "تصريحات رئيس البرلمان محمود المشهداني حول إمكانية منح رئاسة مجلس الاتحاد للسنة تبدو غير واقعية في ظل التوازنات السياسية الحالية”، مشيرا إلى أن "المشهداني قدم هذه الرؤية الجديدة، إلا أن الواقع السياسي والمكونات الديموغرافية للمحافظات العراقية تجعل من الصعب تحقيق هذا المقترح".
ومع ظهور شخصيات سياسية كانت بعيدة عن الأضواء في المشهد السياسي، تساءلت أوساط سياسية عن التزامن بين الحديث المتجدد حول مجلس الاتحاد والتحركات البرلمانية الأخيرة، خاصة في الطموحات المتباينة للقوى السياسية بشأن توزيع المناصب السيادية وصياغة التوازنات الجديدة.
يذكر أن المشهداني عقد مؤخرا اجتماعا، ضم رؤساء النواب السابقين، جميعهم بما فيهم حاجم الحسني، رئيس الجمعية الوطنية، (2005) والسياسي السني صالح المطلك، باستثناء رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وهو ما أثار تساؤلات عن إمكانية عودة بعض الشخصيات التي اختفت من المشهد السياسي بشكل تام.
بينما يرى المحلل السياسي رمضان البدران، أن "تعطيل ولادة مجلس الاتحاد وتحريف طريقة انتخاب مجلس النواب التي كان يفترض أن تكون مقعدًا واحدا لكل 100 ألف نسمة، ألغيا النظام الديمقراطي تماما وأحلّا محله نظاما سياسيا عاش في العراق منذ عام 2005 حتى اليوم، إذ إن العراق اليوم يمتلك نظاما سياسيا وليس نظاما ديمقراطيا".
ويضيف البدران، أن "النظام السياسي الحالي يسعى إلى إنشاء مجلس الاتحاد وفق مسودة تتضمن ثلاثة مقترحات، جميعها تخدم بناء النظام السياسي الحالي ولا تمت بصلة إلى النظام الديمقراطي الذي نص عليه الدستور، حيث أن المجلس مهما جاء بصيغته الحالية لن يكون مكملا للنظام الديمقراطي، بل سيخدم متطلبات النظام السياسي الذي يعتمد على زعامات تشرع للدولة من خارج المؤسسات الدستورية".
ويكشف أن "ما يجري الآن هو محاولة إدخال هذه النخب تحت مظلة دستورية يطلق عليها مجلس الاتحاد، لتمرير أجندات سياسية من خلال البرلمان وبطرق رسمية، إلا أن المجلس بهذا الشكل سيكون أكثر من مجرد تجمع للنخبة الحالية التي تُدير البلاد من خارج الأطر الدستورية".
يشار إلى أن المشهداني، عقد اجتماعا ثانيا، ضم الكتل السنية المشاركة في العملية السياسية، وشكل ما أسماها بـ"خلية الملأ"، وبحسب مصادر عدة، فإن هذا التشكيل يعمل على تشكيل إطار تنسيقي سني، يشابه الإطار التنسيقي الشيعي، وجاء هذا التحرك لوجود مخاوف حقيقية لديه من أي تحرك لإقالته خلال المرحلة المقبلة.

