عبد المهدي يكشف أسرار حكومته: أمريكا كانت ترفض مجيء سليماني إلى العراق وثورة تشرين "مؤامرة"
انفوبلس/تقرير
الولايات المتحدة متورطة باندلاع الصراعات الطائفية في العراق وانزعجت بعد أن رفضنا الوقف بالضد من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما كانت ترفض مجيء قاسم سليماني إلى العراق.. هذا ما تحدّث به رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، في مقابلة مع مجلة The Cradle، سنعرض أبرز ما جاء بها.
وقال عبد المهدي في المقابلة، "نحن مع التوجه شرقاً منذ زمن طويل. زيارتي إلى الصين في أيلول – سبتمبر عام 2019 كانت من ضمن هذا التوجه، وقبل ذلك، عندما كنتُ وزيراً للنفط عام 2015، في حكومة حيدر العبادي، وضعنا أُسس ما يسمى اليوم اتفاق الإطار الائتماني بين العراق والصين، ضمن خطتنا لإعادة إعمار العراق.
التوجه شرقاً ليس خياراً نظرياً، وبات مطروحاً أمام كل دول العالم في ظل الضعف الغربي والثقل الآسيوي المتزايد. سابقاً، 70 % من النفط العراقي كان يُصدّر إلى الدول الغربية، لكن اليوم، أكثر من ذلك صارت وجهته شرقاً، فالصين وحدها تستورد بين 700 ألف ومليون برميل يومياً، نشهد صعوداً آسيوياً، وهناك اليوم في القارة دول أقطاب تنافس، بل وتتقدّم أحياناً، الدولة الأولى في العالم، عسكرياً واقتصادياً وفنياً وعلمياً وقيمياً واجتماعياً. لذلك، فإن التوجه شرقاً مسار طبيعي وليس قراراً سياسياً لطرف من الأطراف. نحن أمام تحوّل تاريخي كبير، ولسنا أمام خيارات سياسية قد تنجح أو تفشل، وهذا المسار يمتلك زخماً وأدوات ستمكّنه من أن يفرض نفسه على العالم.
* مرحلة بريمر
وأضاف عبد المهدي، "مثّلت هذه المرحلة قمة الغطرسة الأميركية. قبلها، في مرحلة زلماي خليل زاده، تم التوصل مع أطراف المعارضة العراقية إلى اتفاق على تأليف حكومة انتقالية، قبل أن يوقف بريمر هذه العملية. في اللقاء الأول الذي عقده مع كل القادة والمسؤولين العراقيين لعرض تصور الإدارة الأميركية للإدارة المدنية، وكان يرافقه مسؤول جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) جون سوايرز، خاطب الجميع قائلاً: لا نحتاجكم إلا كمستشارين، نحن نؤسّس كل شيء وسنبني الدولة والمجتمع، ودوركم أن تساعدوننا. كل الحاضرين، البارزاني والطالباني والشلبي وعلاوي ونحن، اعتبروا ذلك غير مقبول وأن الأمر احتلال، لكنه فرض رأيه بالقوة، وبدأ إصدار تشريعات وقوانين سُمّيت قرارات بريمر. 111 تشريعاً لا يزال تأثيرها قائماً على البنك المركزي والوزارات وغيرها.
كان بريمر مغروراً جداً واعتقد أنه قادر على إخضاع البلاد، وأراد أن يطبّق نظام الانتخابات النخبوية كما في الولايات المتحدة، وليست انتخابات عامة لكل الشعب العراقي، لكن آية الله السيستاني رفض ذلك وأصرّ على أن تُترك كتابة الدستور للعراقيين عبر جمعية وطنية منتخبة.
*المعارك الطائفية في العراق
وتابع، "يقيناً، أمريكا لها يد في ذلك. تفضّل الولايات المتحدة إضعاف الجميع للتحكم بالبلد. بالحديث عن الحرب الطائفية يجب العودة إلى مَن أثار النعرات الطائفية في البداية، تنظيم القاعدة بدأ الذبح على الهوية في أفغانستان قبل العراق. أول عملية اغتيال كبيرة استهدفت السيد محمد باقر الحكيم في 2003، وهذا له مدلولاته. الحرب الطائفية لم تندلع لأنه بات للشيعة وزن أكبر في الدولة، بل لأن هناك فريقاً معادياً للوضع الجديد حظي بدعم من القوى الخارجية، الأميركية والبريطانية وغيرها. هذا الفريق بدأ إنشاء مجموعات مسلحة عشائرية وغير عشائرية بدأت بالتدرّب في المناطق الغربية. في المقابل، كان الأميركي يمنع تشكيل لجان شعبية بحجّة أنها ستتحول إلى ميليشيات. تطور الأمر عام 2014 إلى ظهور "داعش" التي هدّدت العاصمة، فكانت فتوى الجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي".
وذكر، "لعب الحشد دوراً مهماً جداً. منذ 2003 اقترحنا تأسيس لجان شعبية لأنه لم يكن لدينا الوقت الكافي لتشكيل جيش وقوات شرطة لحماية البلد. صحيح أن بريمر حلّ الجيش، لكن أُعيد تشكيله من المنتسبين أنفسهم، وبينهم أصحاب الرُّتب العليا أنفسهم أيضاً. كان في تلك المرحلة جيش غير عقائدي شُكّل وفق مفاهيم نظام آخر، لذلك اقترحنا في البداية تشكيل لجان شعبية. لكننا اختلفنا فيما بيننا. من كانوا يمتلكون مجموعات مسلحة تحمّسوا للفكرة فيما عارضها من لم يمتلكوا السلاح لأنهم رأوا أن ذلك يعطي الفريق الأول ميزة عليهم. الأميركيون أيضاً كانوا يخشون الأمر، لذلك شُنت حملة على اللجان الشعبية ما حال دون تنفيذ الفكرة. عندما احتلت داعش الموصل بمئات من المقاتلين، كانت هناك خمس فرق عسكرية، ولم نكن نعاني نقصاً في السلاح أو العتاد، بل كنا نواجه مشكلة في العقيدة القتالية للجيش، ونقصاً في الاستعداد للتضحية.
* سقوط الموصل
وعند سؤاله، هل الفساد هو سبب سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش"؟ أوضح، "يمكنك أن تضيف هذا إلى الأسباب أيضاً. كل هذا كان موجوداً: الفساد، نقص العقيدة القتالية، رغبة البعض في التعاون مع داعش... وغير ذلك. عندما دخلت القوات الأميركية إلى الفلوجة في 2004، وتم الاتفاق على نشر لواء من الجيش في المدينة، تبيّن أن اللواء بكامله كان بعثياً، من قائده إلى أدنى الرُّتب، ورُفِع في المدينة علم نظام صدام حسين. الشعور بعدم وجود مؤسسة عسكرية تحمي الشعب وتنامي داعش ووصولها إلى حد تهديد بغداد ونشرها الخوف بين الناس، كلها قادت إلى فتوى المرجع الاعلى وإلى التعبئة العامة. أمن العراق اليوم يحفظه الحشد والقوى – سواء العشائرية أو غير العشائرية – التي لا مصلحة لها بالتناغم مع الإرهاب، والأصلب والأقوى في محاربته. وفكرة الحشد موجودة اليوم في كل أنحاء العراق".
* وعن دور الشهيد اللواء قاسم سليماني في مواجهة الإرهاب في العراق، قال "كان دوره كبيراً جداً في صناعة النصر. الشهيد سليماني كان يمتلك صفات عدة. كان استراتيجياً من الطراز الأول وقادراً فوراً على وضع صورة استراتيجية شاملة لمسرح العمليات وتعيين نقاط الضعف والقوة لدى كل طرف. كان أيضاً رجلاً توليفياً قادراً على نسج الصداقات مع الجميع، مع الكردي والشيعي والسُني… وبالتالي، قادرا على تحقيق التعبئة المطلوبة. كذلك كان يميز بين المقاومة الشعبية والمسارات التي تتبعها الدولة ويتفهّم أن لكل منهما لوجستيات وطرق مختلفة. إلى ذلك، كان ممثلاً للجمهورية الاسلامية في إيران، الدولة الكبيرة وصاحبة القدرات الهائلة، لذلك كان باستطاعته، خلال ساعات قليلة، أن يوفّر حاجات المعركة من دون المرور بالمعاملات الروتينية. في ساعات، كان قادراً على إقامة جسر جوي لإمداد العراق بالأسلحة، وهو ما كان يستغرق مع أطراف أخرى شهوراً. في الميدان، كان صاحب القرار الأول، وكان دائماً على رأس المقاتلين ما كان يُلهم قادة المعركة ومقاتليهم، ويعطي أيضاً قطعات الجيش والشرطة معنويات لو كانت تمتلكها لما كانت سقطت الموصل أساساً".
وتعليقاً على اغتيال الأميركيين لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بيّن، "أرى في هذا القرار تعبيراً عن يأس وضعف وعجز، وهروب من أزمة أميركا في العراق. كان قراراً أحمق، لأن اغتيال قائد كبير كالشهيد سليماني هو بالتأكيد خسارة كبيرة، لكنه في الوقت نفسه يولّد حركة أوسع ويزيد من العزيمة. كما كان جريمةً حتى وفق القوانين الأميركية".
وتابع، "العلاقات مع إيران تاريخية وهناك روابط بين البلدين على كل الصُّعد. ملايين العراقيين عاشوا في إيران، وفي المقابل أقام ملايين الإيرانيين في العراق. هنا لا أتكلم عن الروابط الشيعية، الأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين أكراد إيران وأكراد العراق، وعلى العلاقة بين الفرق السُنية الصوفية في البلدين. إذاً، هي علاقات تاريخية، رغم ما يشوبها من خلافات أحياناً كما يحدث بين أي بلدين جارين. وخلال الحرب العراقية – الايرانية تعرضت الجمهورية الاسلامية لحملة شيطنة ضخمة، إلى أن جاء الاحتلال الأميركي للعراق، فاعتقد البعض أن الرخاء والتطور سيأتي من علاقاتنا مع الدولة الأقوى في العالم.
إيران جار تاريخي، كما هي الحال مع تركيا والدول العربية، ويجب النظر إلى المشتركات ومعالجة الخلافات من هذه الزاوية التاريخية.
وبشأن ضغوط واشنطن على حكومته، كشف بالقول، "من جهة واشنطن أكيد. منذ زيارة ترامب لقاعدة عين الأسد ووقوفنا مع الحشد الشعبي وعدم دخولنا في صراعات مع فصائل شيعية وغير شيعية، كانت الضغوط الأميركية تزداد من كل الاتجاهات. كنتُ دائماً أقول للمسؤول الأميركي ديفيد شينكر: علاقاتنا مع إيران عمرها 5000 سنة وإيران دولة جارة، وفي الوقت نفسه نريد أن يكون الأميركيون الذين يبعدون عنا 5000 كيلومتر أصدقاء لنا. ولكن، لا يمكن أن نتخلى عن 5000 سنة من العلاقات. حتى في العلاقات اليومية، يدخل ملايين الإيرانيين إلى العراق ومثلهم من العراق إلى إيران، فيما نحتاج إلى تأشيرة دخول للسفر إلى الولايات المتحدة. أميركا جاءت إلى المنطقة من أجل مصالحها، وإيران جزء من المنطقة وتدافع عن مصالحها، ولا أقول أنها تكرّس نفسها للدفاع عن مصالح العراق، شأنها شأن كل دول المنطقة. لا يمكن أن نقارن علاقاتنا مع الدول الجارة، كالسعودية أو تركيا أو إيران، بعلاقاتنا مع دول بعيدة. هذه علاقة وجودية عمرها قرون طويلة وفيها الكثير من المشتركات، في مقابل علاقات مع دولة جاءت من البعيد دفاعاً عن إسرائيل وللهيمنة على النفط وغير ذلك. لا أستطيع أن أُساوي بين أمرين غير متساويين. يجب أن ندرس علاقاتنا مع كل طرف وفق خصائصه وصفاته وتاريخه ووزنه وما يريده، لنتمكن من إيجاد نقطة توازن في العلاقات مع كل الأطراف".
*انتفاضة تشرين 2019
وتحدث رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، قائلا: "كلام حق يُراد به باطل، واستغلال مطالب مشروعة ومحقّة لأجندات خفية. اليوم بات واضحاً أن ما يسمى الثورات الذكية أو الملونة يُستخدم فيها أساساً الدعم المالي والبروباغندا لغسل العقول وتوجيه الجماهير إلى مسارات معينة لخدمة أهداف غير التي خرجوا من أجلها. أحداث تشرين في العراق كانت تعبيراً عن رغبة أميركية وإسرائيلية بإضعاف العراق عندما بدأ يخرج، ولو جزئياً، من دائرة الإملاءات الأميركية، وفي وقت كانت قوى المقاومة التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، تزداد قوة، لذلك كان القرار بإضعافها عبر إثارة الفوضى وإشعال فتنة شيعية – شيعية، وأخرى عراقية – عراقية، عبر استغلال المطالب المحقة للناس لأغراض سياسية".
وعند سؤاله، هل تعني أن تشرين كان مؤامرة؟ أجاب عبد المهدي، "طبعاً كانت مؤامرة. مثل هذه المطالب المحقة موجودة لدى شعوب دول كثيرة، ولكن عندما تكون هذه الدول قريبة من المعسكر الأميركي – الإسرائيلي، تهبّ دول القرار لمساعدتها والتخفيف من سوء الوضع فيها، أما إذا لم تكن قريبة من هذا المعسكر، فيجري غالباً استغلال هذه المطالب لتأليب الناس على الحكومات، كما حصل في العراق ولبنان وسوريا وإيران وغيرها. حتى الصين، مثلاً، التي كان تطور إمكاناتها كإحدى دول العالم الثالث موضع ثناء، تقرّر فجأة أن تتم شيطنتها عندما أصبحت منافسة للولايات المتحدة، وهدّد ترامب بشن حرب تجارية عليها. العراق، بعد 2003، حرص على التوازن في علاقاته بين الولايات المتحدة والجار الإيراني. مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أراد الأميركيون أن تتوقف بغداد عن هذه السياسة. كانوا صريحين بالقول: إما معنا أو ضدنا. لا يمكن للعراق أن يقف ضد إيران رغم وجود بعض الخلافات. قد نختلف مع إيران حول توزيع المياه أو حول بئر نفط هنا أو مسألة أخرى هناك، لكن هذا لا يعني أن ندخل في حرب معها. الإدارة الأميركية، حتى في فترة حكم الجمهوري جورج بوش، كانت تتفهّم علاقات العراق بالجمهورية الاسلامية، وكان العراق أحياناً ينقل رسائل بين الطرفين. مع مجيء ترامب، تغيّرت الأمور، لم تعد هذه الوسطية العراقية مقبولة أميركياً".
* وعن السبب السياسي الرئيسي لاندلاع انتفاضة تشرين 2019، ذكر، "في الحقيقة، ليس سوء الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق سبباً رئيسياً. صحيح هناك نوع من الرغبة لدى قطاعات وشرائح واسعة أن تُحسّن وضعها أكثر فأكثر. إلى حد 2017، كان الإرهاب وأعمال الاغتيال والانتحاريين والمفخخات هي الشغل الشاغل للناس. بعد 2017، هدأت الأمور واستقرّت. وحصلت حالة من الأمن في البلاد بحيث أصبح المواطن يبحث عن مصالح أكثر وعن تحسين ظروفه المعيشية أكثر. وخصوصاً هناك الكثير من الشرائح كانت أوضاعها تتحسّن باستمرار. اليوم مستوى الأجور والرواتب لدى القوات المسلّحة جيّد ومرتفع، يتجاوز تقريباً الألف دولار للجندي. وهذا من دون حساب مخصصات أخرى".
وأكمل، "الكل يُريد أن يُحسّن من أوضاعه. ليس الكلام، بين هلالين، عن سوء الأوضاع، الأوضاع تتحسّن، لكن الناس وجمهور المواطنين يُريدون تحسّناً أفضل. يُريدون كهرباء أفضل مياه أفضل يُريدون عملا. يُريدون رواتب أفضل. فالسعي نحو تحسين الظروف المعيشية وتحسين الأوضاع للعائلة وللفرد كان سبباً مع الحريات العامة في البلد في خروج الناس في تظاهرات سلمية. يقيناً في حكومة 2018، الحكومة التي ترأستُها، حصل خلاف أساسي. فقد جاءت إدارة ترامب بفلسفة جديدة. سابقاً كان هناك نوع من التساكن بين قوات الاحتلال أو القوات الأجنبية من جهة والجمهورية الإسلامية وأيضاً الخط الذي يؤيدها من جهة أخرى. كان معرّف نوعاً ما الخط الأحمر بين الطرفين".
وأضاف، "مع إدارة الرئيس ترامب، لم يعد يقبل هذا المنطق. لم يقبل الرئيس الأمريكي من العراقيين أن تكون لهم علاقات جيدة بإيران وعلاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية. وأصبح يقول صراحة هو والوزير بومبيو والسفير الأمريكي في العراق، أنّ عليكم أن تقفوا ضد إيران. كان لنا موقف صارم إزاء هذه المسألة. رفضنا هذا المنطق وحتى في المنهاج الوزاري قلنا نحن لسنا جزءاً من نظام العقوبات ضد إيران. وطبعاً هذا يُزعج الإدارة الأمريكية ولا يُرضيها. ثم حصلت سلسلة من الأعمال سواء مجيء الرئيس ترامب إلى قاعدة عين الأسد وعدم ذهابنا لاستقباله. أو حمايتنا للحشد الشعبي. استهدافهم هم والإسرائيليون لمقرات الحشد ومقرات الفصائل. هكذا كان الوضع يتصاعد. وهنا لاشك حصل تدخّل في استثمار المظاهرات السلمية.. المظاهرات العفوية، المظاهرات البريئة. تم استغلالها لتحريك الشارع ضد الوضع في البلاد. ضد الحشد وضد الجمهورية الإسلامية فقد رفعوا شعار "إيران برّا برّا" وحرق القنصليات، إلى آخره. وطبعاً هناك أطراف داخلية منها بقايا البعث وبقايا "داعش" وحتى قوى سياسية في العملية السياسية كانت طامحة أن تحصل على مناصب. وهذه شكّلت أجواء تشرين 2019".
وعن أسباب اندلاع انتفاضة تشرين، أجاب، "العامل الرئيسي والمركزي هو الموقف من الجمهورية الإسلامية. والموقف من الحشد ومن الفصائل. الموقف من حالة تصاعدية كانت تحصل في العراق خصوصاً بعد الانتصار على "داعش". من قوة هذا المحور وتصاعد هذا المحور".
كما يقيناً فتح الحدود في القائم كان قرارا مهما ولم يُرضِ الإسرائيليين ولم يُرضِ الأمريكان، لذلك حصل قصف للقائم وتسبب في شهادة أكثر من ٣٠ عنصرا. والتشييع الذي حصل في اليومين التاليين هو الذي قاد إلى تطويق السفارة الأمريكية ومحاولة اقتحامها وما سبّبه من مشاكل. هذه كلها عوامل كانت تساهم في تصعيد الموقف من قبل الجانب الغربي الأمريكي الإسرائيلي ضد الحكومة.
ويقيناً الانفتاح على الصين سيكون تأكيدا لمثل هذه الاتجاهات على أنّ البلد يسير بعيداً عن الهيمنة الأمريكية أو الهيمنة الغربية أو الخضوع للشروط الإسرائيلية. وهم كانوا يأملون كثيراً من موضوع اجتياح العراق واحتلاله. لم يكن لعبة بل كان له أهداف استراتيجية كبيرة وكانوا يعتقدون أنّ تطويع العراق وإخضاعه ودفعه في اتجاهات معينة سيكون له تأثيرات استراتيجية كبرى في المنطقة. هذا هو الهدف الكبير وهذا برأيي قد فشل. وهذا مزعج لهم يقيناً.
* إقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي
وأكمل عبد المهدي، "أما إقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي فهذا مبالغة في الموضوع لأنه لم يكن الشخص الأول في جهاز مكافحة الإرهاب. وجاء طلب من رئيسه الفريق طالب شغاتي يطلب نقله، وبصفتي كقائد عام للقوات المسلحة قمنا بنقله. وعلاقتي بالفريق عبد الوهاب الساعدي علاقة جيدة. حتى أنني في عملية تحرير مصفاة بيجي وعندما ذهبتُ إلى هناك أثناء الحرب ضد داعش، كان هو من القادة الذين نظّموا عمليات عسكرية في تلك المنطقة. يومها أهديتُه مسدسي. لم تكن بيني وبين الفريق الساعدي مشكلة مباشرة. قد يكون ملفّه استُغِلّ من الآخرين، لكن من ناحيتنا نحن قمنا بتنفيذ طلب من رئيسه بنقله. وكنا ننوي تعيينه في مكان مرموق وفي مكان مهم".
وبعد سؤاله عن محاولات أمريكا فرض شروط سياسية قبل تشرين 2019، كشف بالقول، "كل الذي ذكرته قبل قليل في الإجابات السابقة كان يُقال بصوت عال. عليكم أن تفعلوا كذا وأن تضربوا الفصائل المسلحة. عليكم أن تمنعوا تحويل الأموال إلى الجمهورية الإسلامية. عليكم أن تقفوا ضد مجيء الفريق الشهيد قاسم سليماني إلى العراق".
وكان السفير الأمريكي يطلب اللقاء مرتين وثلاث مرات في الأسبوع. إضافة إلى مجيء كبار المسؤولين الأمريكيين والقادة العسكريين بشكل دائم ودوري. ناهيك عن قادة الناتو القوات الأخرى.
نعم، نحن لم نكن نريد المشاكسة وكنا حريصين أن نُبقي علاقات الصداقة مع أمريكا والغرب، لكن كنا نثبّت ما نعتقده سياسة سيادية مستقلة سليمة متوازنة في العراق كنا نقوم بها سابقاً ولاحقاً، بعد ذهاب إدارة ترامب أيضاً عادت بعض الأمور إلى السياقات القديمة. عندما كان يأتي مسؤول إيراني مثل علي شمخاني أو غيره، كان الأمريكان يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها. وطبعاً الضغط الأهم ليس على رئيس الوزراء فحسب، بل هو على عدد كبير جداً من المسؤولين في المواقع الرئيسية في البلد سواء في وزارة الداخلية أو الدفاع أو البنك المركزي أو الاستخبارات أو TBI (البنك التجاري العراقي) أو وزارات النفط أو غيرها من المواقع … الضغط هناك أشدّ وأكبر ويأتي بطُرق حقيقة ذكية ومغطاة ومغرية، وتحاول أمريكا أن تبدو كأنما هي حمل وديع أو كأنما تُقدّم خدمة للشعب العراقي، بينما هي في الحقيقة تُرسّخ التبعية والاعتماد وآمريّة الولايات المتحدة والدول الحليفة معها على العراق.