عدم دستورية تعديل قانون جوازات السفر: المحكمة الاتحادية "تصفع" المسؤولين و"انفوبلس" تفسر القرار
انفوبلس/ تقرير
في خطوة اعتبرها مراقبون "صفعة للطبقة السياسية"، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قراراً يقضي بعدم دستورية التعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم (6) لسنة 2025. القرار جاء ليضع حداً لمحاولات التوسع في منح الجوازات الدبلوماسية مدى الحياة لكبار المسؤولين وأفراد عوائلهم، حتى بعد تقاعدهم وانتهاء مهامهم الرسمية.
هذا الحكم لم يكن مجرد جدل قانوني، بل حمل في طياته أبعاداً سياسية واجتماعية، إذ يلامس قضية الامتيازات غير المبررة التي يحصل عليها المسؤولون على حساب المواطن العادي، في بلد يعاني من أزمات متراكمة.
يذكر أن مجلس النواب العراقي صوت في الـ13 كانون الثاني/يناير 2025 على تعديل قانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015. التعديل الجديد فتح الباب واسعاً أمام منح الجوازات الدبلوماسية ليس فقط للمسؤولين التنفيذيين والتشريعيين والقضائيين أثناء توليهم المناصب، بل امتد ليشمل أولادهم وزوجاتهم، بل وحتى بعد إحالتهم إلى التقاعد.
هذا التوسع أثار موجة غضب شعبي عارمة، إذ اعتبر كثيرون أن الطبقة السياسية تسعى إلى "شرعنة الامتيازات" لها ولعوائلها، بعيداً عن أي معايير مهنية أو دبلوماسية متعارف عليها دولياً.
ويرى مراقبون أن التوسع في منح الجوازات الدبلوماسية كان محاولة من الطبقة السياسية لشراء الولاءات الداخلية ومنح امتيازات لحلفائها. فالجواز لم يعد أداة لخدمة الدولة، بل تحول إلى "هدية سياسية" تستخدمها القوى النافذة لترسيخ نفوذها. وقرار المحكمة الاتحادية جاء بمثابة كبح لهذه النزعة، ورسالة بأن الدستور لا يمكن تجاوزه لتكريس مصالح خاصة.
قرار المحكمة الاتحادية
قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، اليوم الأربعاء، بعدم دستورية القانون رقم (6) لسنة 2025 من قانون التعديل الأول لقانون جوازات السفر. ووفق القرار فإنه لا جوازات دبلوماسية مدى الحياة، وذلك بعد دعوى من وزيري الخارجية والداخلية.
المحكمة الاتحادية العليا نظرت بدعويين للطعن بالقانون، إحداهما مقدمة من وزير الخارجية، والثانية من وزير الداخلية. وبعد دمج الدعويين، أصدرت المحكمة قرارها بالإجماع بعدم دستورية التعديل، مستندة إلى تعارضه مع مواد دستورية أساسية هي (14، 16، 47، و80) من دستور 2005.
القرار الذي صدر علناً في 20 آب/ اغسطس 2025، قطع الطريق على تمرير امتياز كان سيخلق طبقة "مميزة" في المجتمع العراقي، ويكرس مبدأ التوريث غير المشروع للامتيازات.
ورحبت وزارة الخارجية، اليوم الخميس، بقرار المحكمة الاتحادية العليا، بعدم دستورية تعديل قانون الجوازات. وذكرت الوزارة في بيان، أنها "ترحب بقرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر يوم الأربعاء، والقاضي بعدم دستورية القانون رقم (6) لسنة 2025، الخاص بالتعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015".
وأضافت الوزارة: "جاء القرار بعد نظر المحكمة في دعويين للطعن بعدم دستورية القانون المذكور، كانت إحداهما مقدمة من وزير الخارجية إضافةً إلى وظيفته". وتابعت: "يعَد هذا الإنجاز ثمرةً للجهود الكبيرة التي بذلتها الوزارة، بدعم مباشر من نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، فؤاد حسين، وإشراف وكيل الوزارة للشؤون القانونية والعلاقات متعددة الأطراف، شورش خالد سعيد، ومتابعة دقيقة من فريق العمل المختص، في إطار حرص الوزارة على وثيقة سيادية تمثل هوية الدولة وسمعتها".
وأكدت وزارة الخارجية أن "كسب هذه الدعوى يُعَدّ خطوة مهمة في ترسيخ مبدأ سيادة الدستور، وحماية الحقوق، وضمان انسجام التشريعات مع أحكامه، بما يعزز من مكانة الدولة ومؤسساتها القانونية".
تفسير القرار
كشف الخبير في الشأن القانوني والدستوري علي التميمي، عن تفاصيل قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية التعديل الأول لقانون جوازات السفر.
وقال التميمي، أنه "تم الطعن بالقانون رقم 6 لسنة 2025 التعديل الأول لقانون جوازات السفر 32 لسنة 2015، حيث منح هذا التعديل جواز سفر دبلوماسي إلى مناصب تنفيذية وتشريعية وقضائية مختلفة بالإضافة إلى السفراء وامتد هذا المنح إلى أولادهم وأزواجهم وأبعد من ذلك جعل هذا الحق لهم حتى بعد إحالتهم إلى التقاعد وانتهاء مهامهم الرسمية كما قالت المادة 2 من التعديل وفصلت ذلك بشكل واسع".
وبين الخبير القانوني أنه "تم الطعن بالقانون أعلاه من أطراف مختلفة، وتم تقديم طلب لإصدار أمر ولائي لإيقاف تنفيذ القانون إلى المحكمة الاتحادية العليا التي أصدرت امراً ولائياً بإيقاف تنفيذ القانون لحين صدور أمر بات في الدعوى الأصلية المرقمة 62 لسنة 2025 والتي طالب فيها الطاعنون الحكم بعدم دستورية القانون أعلاه، فأصدرت المحكمة الاتحادية قرارها بعدم دستورية هذا التعديل وفقاً للمواد 14 و15 و47 و80 من الدستور العراقي".
وأشار التميمي أن "هناك اتفاقيات دولية تنظم العمل الدبلوماسي في العالم منها اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 واتفاقية فينا للبعثات الدبلوماسية 1969 وكل واحدة منها لها مميزات عن الأخرى"، موضحاً أنه "وفق هذه الاتفاقيات، يكون منح الجواز مقترناً بالعمل فما دام العمل قائم يوجد جواز سفر دبلوماسي وينتهي بانتهاء المهمة سواء في السفارات أو البعثات الدبلوماسية الخاصة، كما نصت المواد من 29 إلى 36 من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، والعراق ملزم باحترام الاتفاقيات الدولية وفق المادة 8 من الدستور العراقي".
وأكد التميمي أن "إعطاء الجواز لأفراد العائلة وبعد التقاعد خطأ كبير يخالف الاتفاقيات أعلاه، لأن الحصانة مرهونة بوجود العمل الدبلوماسي وتنتهي بنهايتها، وهي تمنح للرؤساء وفق المادة 33 من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، لكن هذه الحصانة لا تشمل الأولاد والزوجات فهي ليست تركة أو قسام شرعي ولا جزء من الراتب التقاعدي"، لافتاً أن "المادة 3 من قانون جوازات السفر 32 لسنة 2015 أجازت منح أكثر من جواز للشخص ولكن ليس من نفس النوع، إذ يمكن منح الشخص جواز سفر عادي يكون مستمراً وآخر دبلوماسي ينتهي بانتهاء المهمة والعمل. ولو كان التعديل رقم 6 لسنة 2025 جعل الجواز الدبلوماسي مؤقتاً للمستفيدين منه ولم يمنحه لأفراد العائلة، لكان أفضل".
وختم الخبير بالشأن القانوني والدستوري حديثه قائلاً: "في كل دول العالم يتم منح الجواز الدبلوماسي بشكل محدود جداً، لأنه يخص شرائح محددة ولا يمكن التوسع فيه، كما أنه يُمنح للذين قدموا خدمة للبشرية بمؤلفات أو اختراعات أو صناعة تقديراً لهم ولتسهيل أداء أعمالهم بين الدول، وهذا هو المبدأ الدولي".
وكان هذا القانون قد سمح بمنح جوازات دبلوماسية لكبار المسؤولين والنواب الحاليين والمتقاعدين ومن هم بدرجتهم وعوائلهم، جوازات دبلوماسية مدى الحياة، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً وتنديداً بمحاولات الطبقة السياسية الحصول على الامتيازات لهم ولعوائلهم.
أثار التوسع في منح الجوازات الدبلوماسية في العراق موجة من الانتقادات الواسعة بين الأوساط الشعبية والناشطين المدنيين، الذين اعتبروا أن هذه الخطوة تسهم في إضعاف مكانة الدولة وتشويه سمعة "العمل الدبلوماسي".
ويقول ناشطون، إن "منح الجوازات الدبلوماسية بشكل مفرط وغير مدروس بات يمثل ظاهرة تقلل من قيمتها الرمزية والدولية، محذرين من أن هذا التوجه يُستخدم أحياناً لمصالح شخصية أو كامتياز سياسي على حساب المصلحة العامة".
ويشير الناشط المدني علي الموسوي، إلى أن "الجواز الدبلوماسي ليس مجرد وثيقة سفر، بل هو رمز يعكس سيادة الدولة وهيبتها في المحافل الدولية، إلا أن العراق، للأسف، شهد توزيعاً واسعاً لهذه الجوازات خارج الأطر الدستورية والمعايير المتعارف عليها عالمياً"، مبيناً أن "هذا الأمر جعل من الجواز الدبلوماسي أداة للامتيازات وليس خدمة للدولة".
يضيف الموسوي، أن "العديد من حاملي الجوازات الدبلوماسية لا يمتلكون أي صفة رسمية أو ارتباط بمهام دبلوماسية حقيقية"، لافتاً إلى أن "هناك تقاريراً تشير إلى منح الجوازات لشخصيات مرتبطة بأحزاب سياسية أو فئات اجتماعية معينة دون الالتزام بمعايير واضحة أو ضوابط صارمة".
رغم القرار القضائي، تبقى التحديات قائمة. فالعراق يعاني من ثقافة سياسية اعتادت على التوسع في الامتيازات، بدءاً من الرواتب العالية للمسؤولين، مروراً بالامتيازات التقاعدية، وصولاً إلى الجوازات الدبلوماسية. التحدي الآن يكمن في قدرة الحكومة على فرض ضوابط صارمة على منح الجوازات، ومراجعة الملفات السابقة، وربما سحب الجوازات الممنوحة بغير وجه حق، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية.
أنواع الجوازات في العراق
وفي العراق تقسم جوازات السفر إلى أربعة أنواع وفق القانون، وهي (الجواز العادي، الجواز الدبلوماسي، الجواز الخاص، وجواز الخدمة)، حيث يمنح جواز السفر العادي للمواطنين العراقيين ويكون نافذاً لمدة 8 سنوات.
ويمنح جواز السفر الخاص للمسؤولين في السلك الإداري ضمن وزارة الخارجية، تحديداً لمن هم في المرتبة السابعة فما فوق، الذين يتم انتدابهم إلى الخارج في مهمات رسمية مؤقتة لا تتجاوز ستة أشهر.
بينما يمنح جواز السفر الدبلوماسي، من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، ويُخصص للوزراء وأعضاء البرلمان والعاملين في السلك الدبلوماسي، وذلك لتسهيل أدائهم للأعمال ذات الطابع المهم والتي تصب في مصلحة الدولة.
أما جواز الخدمة فيُخصص لكبار الضباط في الجيش والشرطة والشخصيات العسكرية والأمنية، ويُمنح عند تكليفهم بمهام رسمية مثل المشاركة في دورات تدريبية، مؤتمرات، أو ورش عمل خارج العراق.
ويحصل حامل الجواز الدبلوماسي على مميزات عدة أبرزها الحصول على حصانة دبلوماسية الأمر الذي يمنع اعتقاله، فضلاً عن منحهم الحق بمواعيد دبلوماسية ولقاءات مسؤولي الدول الأخرى وكبار موظفيها الرسميين، كما يسمح لهم بدخول صالة كبار الزوار داخل المطارات، والتمييز في المعاملة أثناء دخوله المطار أو الدول، فيما توفر شركات الطيران والفنادق خدمات فاخرة لأصحاب هذا النوع من الجوازات.
هذه الامتيازات جعلت الجواز الدبلوماسي هدفاً مغرياً للكثيرين، ووسيلة لتحقيق مصالح شخصية وسياسية. وفي العراق، كشفت لجنة النزاهة النيابية عام 2023 عن إصدار 32 ألف جواز دبلوماسي، بينها 10 آلاف جواز مُنح لأشخاص لا ينتمون للسلك الدبلوماسي ولا يعملون في وزارة الخارجية، ما فاقم الشكوك حول وجود فساد في ملف الجوازات.
وينص القانون في العراق على منح الجواز الدبلوماسي لرؤساء الجمهورية والحكومة وأعضاء البرلمان، فضلاً عن رئيس مجلس القضاء الأعلى ورؤساء إقليم كردستان ومجلس وزراء الإقليم، وأصحاب الدرجات الخاصة العاملين في الدولة، مع وجود استثناءات يقرّها حصراً وزير الخارجية أو رئيس الوزراء.
والخلاصة، فإن قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية التعديل الأول لقانون جوازات السفر يمثل محطة مفصلية في تاريخ التشريعات العراقية. فهو لم يحمِ فقط الدستور، بل أعاد الاعتبار لرمزية الجواز الدبلوماسي، وأرسل رسالة واضحة بأن الامتيازات غير المبررة لن تمر بسهولة.
وبينما رحبت الأوساط الرسمية والشعبية بالقرار، يبقى الرهان على تطبيقه بصرامة، ومراجعة ملفات الفساد في منح الجوازات، لضمان أن يبقى الجواز الدبلوماسي وثيقة سيادية تعكس مكانة العراق، لا مجرد امتياز مدى الحياة لفئة قليلة على حساب المصلحة العامة.

