قانون "العاصمة بغداد": هل يرى النور بعد 20 عامًا من الخلافات وينهي الفوضى الإدارية وتداخل الصلاحيات؟
انفوبلس/ تقرير
بعد عقدين من الزمن، ووسط تراكم الأزمات الخدمية والإدارية، يبدو أن قانون "العاصمة بغداد" قد يرى النور قريبًا، في خطوة تشريعية طال انتظارها وتُعد حجر الزاوية في إصلاح منظومة الحكم المحلي وإدارة العاصمة.
هذا القانون، الذي نصّ عليه الدستور العراقي منذ عام 2005، كان حبيس الأدراج بسبب الخلافات السياسية المتعاقبة، إلا أن زخمًا جديدًا يقوده مجلس النواب والحكومة المحلية يبعث الأمل في قدرته على حل مشكلات المدينة المزمنة وفصل السلطات بين دوائرها المختلفة.
إن هذا القانون ليس مجرد تنظيم إداري؛ بل هو الإطار الذي يمكنه أن ينقذ بغداد من حالة الفوضى التي تعيشها، وأن يمنحها المكانة التي تليق بها كمركز سياسي واقتصادي وثقافي للعراق.
تحديد الصلاحيات وحل الفوضى الإدارية
يُعد قانون "العاصمة بغداد" أحد أبرز المرتكزات التشريعية التي تهدف إلى وضع حد للفوضى الإدارية وتداخل الصلاحيات الذي عانت منه العاصمة منذ عقود. وبحسب النائب جواد اليساري، نائب رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، فإن القانون يهدف إلى "تنظيم إدارة العاصمة ومنحها الإطار القانوني الواضح الذي تستحقه".
ويفيد لجنة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في مجلس النواب، بالمضي بتشريع قانون "العاصمة بغداد"، الذي من شأنه أن يحدد بشكل دقيق واجبات ومهام الوزارات المرتبطة برئاسة الوزراء والدوائر التابعة لمحافظة بغداد.
ويقول نائب رئيس اللجنة، النائب جواد اليساري، إنَّ "اجتماعَ اللجنةِ الأخير خُصّص لبحثِ ومناقشةِ مشروعِ قانونِ (العاصمةِ بغداد)"، مبيّناً أنَّ "هذا القانونَ يُعدُّ أحدَ المرتكزاتِ التشريعيةِ المهمةِ التي من شأنِها تنظيمُ إدارةِ العاصمةِ ومنحُها الإطارَ القانونيَّ الواضحَ الذي تستحقُّه، بوصفِها قلبَ العراقِ ومركزَه السياسيَّ والاقتصاديَّ والإداريّ".
ويضيف، أنَّ "لجنةَ الأقاليمِ والمحافظاتِ أولتْ هذا الملفَّ اهتماماً خاصّاً لارتباطِه المباشرِ بحياةِ ملايينِ المواطنينَ من سكّانِ بغداد"، مؤكِّداً أنَّ "القانونَ ينبغي أن يراعيَ الجوانبَ الإداريةَ والخدميةَ والسياسيةَ والأمنيةَ للعاصمة، بما يُعزِّزُ دورَها الدستوريَّ ويواكبُ التطوّراتِ التي تشهدُها".
ويشير اليساري، إلى أنَّ "اللجنةَ تواصلُ اجتماعاتِها مع مختلفِ الجهاتِ المعنيّة، من وزاراتٍ ومؤسّساتٍ رسميّةٍ وخبراءَ مختصّين، لضمانِ صياغةِ قانونٍ متوازنٍ يأخذُ في الاعتبارِ الخصوصيةَ التاريخيةَ والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ لمدينةِ بغداد، ويُعالجُ التحدّياتِ المتراكمةَ التي تواجهُها العاصمةُ في مجالاتِ التخطيطِ العمرانيِّ والبنيةِ التحتيّةِ والخدماتِ الأساسيّة".
ويؤكد، أنَّ "الهدفَ النهائيَّ يتمثّلُ في بلورةِ رؤيةٍ وطنيّةٍ موحَّدةٍ تُسهمُ في تعزيزِ مكانةِ العاصمةِ بغداد إدارياً وتشريعياً، وتضمنُ حقوقَ جميعِ سكّانِها بعدالةٍ وبعيداً عن أيِّ تمييزٍ أو تهميش"، مشيراً إلى "تطلّعِ اللجنةِ لأن يكونَ هذا القانونُ خطوةً نوعيّةً تُعزِّزُ صورةَ بغداد كعاصمةٍ لكلِّ العراقيين، وبما يوازي مكانتَها التاريخيّةَ ودورَها المحوريّ".
تُعد حقيقة أن القانون قد تأخر 20 عامًا في الإقرار، مؤشرًا على مدى عمق المشكلات التي واجهها. فالدستور العراقي في المادة (124) ينص بوضوح على أن "بغداد بحدودها البلدية عاصمة للعراق وبحدودها الإدارية محافظة على أن ينظم ذلك بقانون". لكن، وكما أشار عضو اللجنة أحمد صلال، فإن "تعاقب الدورات الانتخابية حال دون عرضه أو المضي بإقراره".
السبب الرئيس لهذا التأخير، وفقًا للمسؤولين، هو الاختلافات السياسية. هذه الخلافات منعت حتى طرح القانون للقراءة والمناقشة، على الرغم من وجود أربع مسودات سابقة أعدتها جهات مختلفة (رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، هيئة المستشارين، وأمانة بغداد). هذا يدل على أن الإرادة السياسية لإقراره كانت غائبة، وأن المصالح الحزبية حالت دون وضع إطار قانوني واضح يخدم المصلحة العامة للمدينة.
ويقول صلال، إن "لجنة الأقاليم والمحافظات تعد الجهة المعنية بملفات الحكومات المحلية في جميع المحافظات، وأن من أبرز القوانين التي تقع ضمن اختصاصها هو قانون (العاصمة بغداد)"، مشيراً إلى أن "هذا القانون منصوص عليه في الدستور، إلا أن تعاقب الدورات الانتخابية حال دون عرضه أو المضي بإقراره".
ويضيف، أن "اللجنة ناقشت القانون بشكل موسع بهدف عرضه على طاولة مجلس النواب وقراءته قراءة أولى وإدراجه ضمن جدول الأعمال"، مبيناً أن "الهدف من المضي بتشريعه هو وضع صلاحيات واضحة ومهام دقيقة يمكن أن تمكّن أمين بغداد من أداء واجباته بشكل أفضل، إضافة إلى تنظيم العلاقة بين الوزارات المرتبطة برئاسة الوزراء والدوائر التابعة للمحافظة".
ويوضح، أن "القانون يتضمن الكثير من التفاصيل التي من شأنها أن تسهم في الفصل بين السلطات داخل العاصمة بغداد، وحل الكثير من الإشكاليات الإدارية التي تواجه عمل الحكومات المحلية"، مؤكداً أن "اللجنة عقدت عدة اجتماعات من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لعرض القانون وقراءته قراءة أولى، ثم المضي بآليات تشريعه بشكل كامل".
ويبيّن صلال، أن "الاختلافات السياسية خلال السنوات الماضية كانت السبب الرئيس في عدم طرح القانون للقراءة والمناقشة، رغم أهميته البالغة"، لافتاً إلى أن "جميع العواصم في العالم تعمل وفق قانون خاص ينظم عملها وصلاحيات إداراتها، وهو ما تحتاج إليه بغداد بصورة ملحة".
ويلفت إلى، أن "المضي بتشريع قانون (العاصمة بغداد) سيضع محطات واضحة وصلاحيات محددة، ويضمن أداءً أفضل لأمين بغداد، فضلاً عن دعمه لعمل الحكومات المحلية وتمكينها من أداء دورها"، مؤكداً أن "اللجنة تأمل أن تكون الخطوة الأولى قريبة عبر إدراج القانون للقراءة الأولى، ثم استكمال جميع خطوات تشريعه في مجلس النواب"
يكمن الهدف الأساسي – بحسب ما ورد أعلاه - للقانون في الفصل بين السلطات وتحديد المهام بدقة بين:
-الوزارات المرتبطة برئاسة الوزراء والجهات الحكومية الاتحادية.
-الدوائر التابعة لمحافظة بغداد، التي تمثل الحكومة المحلية.
-أمانة بغداد التي تتولى المهام البلدية والخدمية.
هذا التداخل في الصلاحيات كان سببًا في شلل المشاريع الخدمية وتأخر تنفيذ الخطط العمرانية. فكما أوضحت النائب مهدية اللامي، عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، فإن المشكلة بين مجلس المحافظة وأمانة بغداد هي مشكلة "أزلية" لم تنتهِ، مما أدى إلى تقاطعات مستمرة في تقديم الخدمات للمواطنين. فالقانون الحالي يمنح 30% من أموال تنمية الأقاليم لأمانة بغداد و70% للمحافظة، مما يخلق حالة من التنافس والصراع على الموارد بدلاً من التعاون.
يهدف القانون الجديد إلى رسم "خارطة عمل واضحة" لكل من المحافظ وأمين العاصمة، بما يضمن عدم تداخل المسؤوليات، ويُمكن أمين بغداد من أداء واجباته بشكل أفضل، ويدعم عمل الحكومات المحلية، بحسب اللامي.
في خطوة تبعث على التفاؤل، تم مؤخرًا تحريك ملف القانون بشكل جدي، إذ في نيسان 2025، أقرّ مجلس الوزراء مسودة مشروع القانون وأحالها إلى مجلس النواب، مع الأخذ بالملاحظات التي قدمها رئيس الوزراء.
والشهر الماضي ايضاً، أعلن محافظ بغداد، عطوان العطواني، عن تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن المحافظة ومجلسها لمتابعة مسودة القانون والعمل على حسمه قريبًا.
تعاني مدينة بغداد من مشكلات كثيرة، أبرزها الفوضى في البناء العشوائي، وعدم التوصل إلى معالجات حقيقية لأزمة الاختناقات المرورية التي يقضي العراقيون فيها ساعات طويلة، إضافة إلى الزيادة المفرطة في الكثافة السكانية، سواءً لأهالي العاصمة أنفسهم، أو بالنزوح الكبير من قبل سكان المحافظات إليها، ناهيك عن انهيار منظومات البنى التحتية وأبرزها المجاري، ومشكلة المياه غير الصالحة للاستخدام البشري، وكذلك وتراجع منظومة الكهرباء، وتكدس النفايات، والتجاوزات على التخطيط الأساس للمدينة.
ومن الأسباب التي جعلت من بغداد واحدة من أسوأ المدن هو تراجع الاهتمام بإدامة المساحات الخضراء وزيادة نسبة التصحّر فيها، بسبب التجاوزات الحاصلة على المناطق الخضراء والحدائق العامة وتحويلها إلى أماكن سكنية أو محال تجارية.
والخلاصة، فإن المضي بتشريع قانون "العاصمة بغداد" ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو اختبار حقيقي للإرادة السياسية في العراق. فإقرار هذا القانون سيضع بغداد على خارطة العواصم العالمية التي تعمل وفق إطار قانوني واضح، وسيسهم في الفصل بين السلطات، ويضمن حقوق جميع سكانها بعدالة.
النائب أحمد صلال يأمل أن تكون "الخطوة الأولى قريبة عبر إدراج القانون للقراءة الأولى". هذا الأمل يتردد صداه لدى جميع سكان بغداد الذين سئموا من الأزمات المتراكمة. فبغداد التي عانت من الحروب، ثم من الفوضى الإدارية، تحتاج اليوم إلى قانون يعيد لها مكانتها التاريخية ودورها المحوري، ويضع نهاية لحالة التنازع الإداري التي حولت عاصمة الرشيد إلى مدينة مثقلة بالأزمات. القانون، إذا ما تم إقراره، سيثبت أن العراق قادر على تجاوز خلافاته من أجل مصلحة مواطنيه.

