مجلس النواب العراقي أمام ثلاثة أيام مفصلية للتصويت على 19 قانوناً تمس حياة الأقليات والأحداث والصحة النفسية والسجناء
انفوبلس/..
يدخل مجلس النواب العراقي ابتداءً من يوم غدٍ الاثنين في سلسلة من الجلسات التشريعية المتتالية تمتد حتى الأربعاء، وسط ترقب سياسي وشعبي لمدى نجاحه في كسر عقدة النصاب التي أجهضت العديد من الجلسات السابقة. وبحسب جدول الأعمال المعلن من الدائرة الإعلامية للبرلمان، فإن النواب سيكونون أمام حزمة ثقيلة من القوانين يصل عددها إلى 19 مشروعاً ومقترحاً، تحمل في طياتها أبعاداً إنسانية واجتماعية وسياسية، أبرزها ما يتعلق بحقوق الأقليات، ورعاية الأحداث، وقانون الصحة النفسية، إلى جانب تعديلات تخص وزارة التربية وتعادل الشهادات ومؤسسة السجناء السياسيين.
هذه الجلسات الثلاث وُصفت بأنها ستكون “أياماً مفصلية” في عمر الدورة النيابية الحالية، ليس فقط بسبب عدد القوانين المدرجة، بل أيضاً لأهمية محتواها الذي يمس شرائح واسعة من المجتمع العراقي، ويعيد طرح أسئلة كبرى حول قدرة البرلمان على تجسيد التزامات الدولة العراقية تجاه العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الهشة والتنوع الثقافي.
رعاية الأحداث.. من العقوبة إلى الإصلاح
في مقدمة القوانين التي ستُطرح للقراءة الأولى يوم غد الاثنين، يبرز مشروع قانون “رعاية الأحداث”، الذي وصفه مختصون بأنه قد يشكل نقلة نوعية في التعامل مع فئة اجتماعية لطالما وُصمت بالانحراف، وهي شريحة الأحداث.
النائب حسين عرب، نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، يرى أن هذا المشروع يمثل “خطوة جوهرية نحو إعادة صياغة علاقة الدولة مع الأحداث”، مؤكداً أن جوهر القانون يقوم على “استبدال العقوبات التقليدية بالنهج الإصلاحي والتربوي”.
وأوضح عرب أن القانون الجديد يمنح الأحداث فرصة ثانية لإعادة بناء حياتهم عبر برامج تعليمية وإرشادية وتأهيلية، مع إشراك الأسرة ومنظمات المجتمع المدني في العملية الإصلاحية، بما يحوّل مسارهم من الانحراف إلى الاندماج السليم في المجتمع. لكنه لم يخفِ وجود تحديات بنيوية تواجه هذا الملف، مثل ضعف البنى التحتية للمؤسسات الإصلاحية، وغياب البرامج التعليمية الجادة داخل مراكز الرعاية، فضلاً عن ضعف التنسيق بين الجهات التنفيذية والمنظمات الإنسانية.
ويأمل عرب أن يسد القانون الجديد الثغرات التي حملتها التشريعات السابقة، مؤكداً أن “إدراجه على جدول الأعمال يعكس جدية البرلمان في إعادة النظر بمنظومة العدالة الاجتماعية”. ويرى أن نجاحه سيمثل نقطة تحول عبر تمكين الأحداث من أن يكونوا عناصر فاعلة ومنتجة، مع تعزيز التزامات العراق بالمعايير الدولية الخاصة بحقوق الطفل.
حقوق الأقليات.. ضمانة للمواطنة والتعايش
في اليوم نفسه، سيُستكمل النقاش بالقراءة الثانية لمقترح قانون “تنظيم حقوق الأقليات”، وهو تشريع يصفه مراقبون بأنه ليس أقل أهمية من غيره، إذ يرسخ مبدأ المساواة ويعزز التعايش السلمي.
النائب نيسان زاير، عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، أكدت أن هذا القانون يمثل “خطوة متقدمة نحو صون حقوق جميع المكونات”، مشيرة إلى أن لجنتها أنجزت جميع المناقشات مع الجهات المعنية وممثلي الأقليات، ورفعته إلى هيئة الرئاسة.
وقالت زاير، إن إقرار القانون سيشكّل “ضمانة قانونية ودستورية إضافية” لحماية الأقليات، مؤكدة أنه يتماشى مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وأضافت أن القراءة الثانية ستكون فرصة للأعضاء لتقديم الملاحظات النهائية تمهيداً للتصويت، في حين اعتبرت أن إقراره سيبعث رسالة واضحة مفادها أن “حقوق الأقليات في العراق ليست مجالاً للمساومة أو النقاش، بل هي ركيزة من ركائز الدولة الديمقراطية”.
الصحة النفسية والسجناء السياسيون
أما جلستا الثلاثاء والأربعاء، فستكونان محطّ أنظار واسعة لما تضمانه من قوانين لا تقل حساسية. على رأسها مشروع قانون “الصحة النفسية”، الذي يُرتقب أن يفتح الباب واسعاً أمام نقاش جاد حول واقع الخدمات الصحية في العراق، وكيفية التعامل مع تزايد معدلات الاضطرابات النفسية الناتجة عن عقود من الحروب والأزمات.
كذلك، يتصدر جدول الأعمال قانون “مؤسسة السجناء السياسيين”، الذي يعيد طرح ملف ما بعد الدكتاتورية، وكيفية إنصاف من تعرضوا للقمع السياسي في العقود السابقة. وينتظر أن يشهد هذا القانون سجالات حادة داخل البرلمان نظراً لتقاطعه مع ملفات سياسية ومالية وإدارية معقدة.
معركة النصاب.. هل ينجح البرلمان هذه المرة؟
غير أن كل هذه القوانين، بما تحمله من ثقل وأبعاد، تبقى معلقة على شرط أساسي: تحقيق النصاب القانوني. فقد شهدت الأسابيع الماضية تعطيل أكثر من جلسة بسبب انسحاب أو غياب كتل برلمانية، ما أثار انتقادات واسعة للرئاسة النيابية وأعاد الجدل حول جدية البرلمان في أداء دوره التشريعي.
ويرى مراقبون أن الجلسات الثلاث المقبلة ستكون بمثابة اختبار حقيقي لإرادة النواب، إذ أن الفشل في تمرير هذه الحزمة من القوانين سيضع المؤسسة التشريعية أمام أزمة ثقة جديدة مع الشارع العراقي. في حين أن النجاح في إقرارها سيعني فتح صفحة جديدة من التشريعات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
أهمية القوانين المدرجة
لا تقتصر أهمية هذه القوانين على بعدها التشريعي فقط، بل تمتد لتشكّل رداً على تحديات اجتماعية واقتصادية وإنسانية. فـ”رعاية الأحداث” يعالج أزمة الجنوح والاندماج الاجتماعي، و”حقوق الأقليات” يكرس مفهوم المواطنة والمساواة، بينما “الصحة النفسية” يواجه أزمة غير مرئية لكنها متفاقمة. أما “مؤسسة السجناء السياسيين”، فتمثل جزءاً من معركة العدالة الانتقالية التي ما تزال مفتوحة منذ 2003.
إضافة إلى ذلك، فإن جدول الأعمال يتضمن قوانين تخص التعليم مثل تعديل قانون وزارة التربية وقانون أسس تعادل الشهادات، وهي تشريعات تمس مباشرة الطلبة والكفاءات العلمية. كما يشمل مناقشة قانون “كلية طيران الجيش” الذي يعكس مسعى لتطوير القدرات العسكرية والتعليمية في مجال الطيران.
ما بين الأمل والخيبة
في المحصلة، يقف البرلمان أمام لحظة مفصلية: إما أن يثبت قدرته على التحرك بجدية لإقرار قوانين إصلاحية، أو أن يعيد إنتاج سيناريو الفشل والعجز الذي رافقه في دورات سابقة. المواطنون الذين يتابعون هذه الجلسات بترقب، ينظرون إليها بوصفها اختباراً عملياً لمدى صدقية ممثليهم في ترجمة الشعارات إلى أفعال.
