مصطفى سند يكسب جولة قانونية ضد محمد نعناع بعد سلسلة إساءات علنية
تنازل سند يقابله استفزاز
انفوبلس..
أصدرت محكمة عراقية حكماً حضورياً بالحبس ثلاثة أشهر بحق المحلل السياسي محمد نعناع، على خلفية دعوى رفعها النائب مصطفى سند تتعلق بالسب والقذف والتشهير.
الحكم الذي جاء بعد سلسلة من القضايا المماثلة أقامها سياسيون ومسؤولون ضد نعناع، فتح الباب مجدداً أمام تساؤلات حول أسلوب الخطاب الذي يتبناه هذا الأخير في إطلالاته الإعلامية ومنشوراته على مواقع التواصل، والذي كثيراً ما يتجاوز حدود النقد إلى الإساءة الشخصية.
دعاوى سابقة
محمد نعناع ليس جديداً على قاعات المحاكم، ففي السنوات الماضية واجه أكثر من دعوى قضائية، أبرزها تلك التي أقامها مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتهمة القذف استناداً إلى المادة 433 من قانون العقوبات العراقي، حيث أُطلق سراحه حينها بكفالة مالية. كما سبق للقضاء العراقي أن حكم عليه عام 2018 بالحبس لمدة عام بتهمة "تحريض موظفي شبكة الإعلام العراقي على العصيان المدني".
ورغم هذه السوابق، يُصر نعناع على تقديم نفسه بوصفه "صوت المعارضة الحرة" ضد الطبقة السياسية، غير أن أسلوبه القائم على إثارة الجدل والتعريض بالشخصيات العامة جعله أكثر عرضة للانتقاد من قبل النخب السياسية والقانونية التي ترى أن ما يقدمه لا يرقى إلى النقد البنّاء، بل يقع في خانة السب والتشهير.
قضية سند.. تنازل وسجال
القضية الأخيرة التي أقامها النائب مصطفى سند ضد نعناع لم تكن وليدة اللحظة. ففي شهر رمضان الماضي، أعلن سند أثناء جلسة المحاكمة عن تنازله عن الدعوى استجابة لمناشدة إنسانية تقدمت بها ابنة نعناع، خطوة فاجأت القاضي، وأظهرت جانباً من رغبة سند في تهدئة الأجواء وعدم تحويل الخلاف إلى معركة شخصية.
لكن ما لبث أن قلب نعناع الموقف رأساً على عقب عبر منشور على صفحته في “فيسبوك” قال فيه إنه “انتصر” على سند، متجاهلاً أن التنازل جاء بقرار شخصي من النائب.
هذا السلوك، الذي اعتبره كثيرون دليلاً على نزعة استعراضية لدى المحلل السياسي، دفع سند لاحقاً إلى إعادة تقديم الدعوى لتثبيت حقه القانوني ومنع تكرار الإساءة.
وبالفعل، أصدرت المحكمة حكمها بالحبس ثلاثة أشهر، في قرار وصفه مراقبون بأنه رسالة واضحة لضرورة وضع حدود فاصلة بين حرية التعبير وبين التجريح الشخصي.
على النقيض من ذلك، يُعد النائب مصطفى جبار سند، المولود في البصرة عام 1985، واحداً من الوجوه الشابة التي دخلت البرلمان بخلفية مهنية متينة في قطاع النفط والطاقة.
قبل دخوله البرلمان، عمل في شركة نفط البصرة وشركة تسويق النفط (سومو) وخطوط الأنابيب، كما شغل منصب معاون رئيس مهندسين، ثم انتقل للعمل في مكتب رئيس الوزراء رئيساً لخلية المتابعة.
الفارق بين نعناع وسند يكمن في أسلوب التعامل مع الرأي العام، ففي الوقت الذي يفضل فيه النائب الاعتماد على لغة هادئة ورصينة قائمة على بيانات ودراسات، يذهب نعناع إلى استخدام خطاب متشنج، لا يتردد في الإساءة المباشرة إلى خصومه.
ولعل المفارقة أن النائب الذي تعرض للهجوم لم يتردد في التنازل عن الدعوى في المرة الأولى، في حين رد نعناع على هذه المبادرة بتصعيد جديد.
هذا التناقض يعكس بوضوح طبيعة كل طرف: سياسي ينطلق من خلفية مهنية ويحرص على تقديم نفسه كخادم للملف الاقتصادي، مقابل محلل إعلامي يعتمد على الإثارة والسجال لكسب المتابعين.
القانون يضع الحدود
القوانين العراقية واضحة في هذا السياق؛ فالمادة 433 من قانون العقوبات تجرّم القذف وتعاقب عليه بالحبس أو الغرامة، فيما تجرّم المادة 434 السب وتعاقبه بالحبس حتى سنة. وإذا تم السب عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل، يعد ذلك ظرفاً مشدداً.
وهو ما يفسر تشدد القضاء في التعامل مع تصريحات نعناع، إذ أن خطابه لا يندرج ضمن حرية التعبير بقدر ما يشكل إساءة مباشرة لأشخاص بعينهم.
سوابق قضائية مع السوداني
لم تكن قضية النائب مصطفى سند هي المواجهة الأولى لمحمد نعناع مع القضاء، إذ سبق لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن رفع أكثر من دعوى ضده بين عامي 2023 و2024، بتهم تتعلق بالإساءة والتشهير.
واعتُقل نعناع في آذار 2023 بمنطقة الكرادة بعد تهجمه على السوداني في تصريحات تلفزيونية وصفه خلالها بـ"غير الوطني والمتخلف"، قبل أن يُطلق سراحه إثر تنازل السوداني عن الدعوى، إلا أن الأخير عاد بعد أشهر ليقيم دعوى جديدة بتهمة القذف، انتهت بحكم بالحبس مع غرامة مالية.
وفي دعوى أخرى، طالب السوداني القضاء بتعويض مالي ضخم وصل إلى نصف مليار دينار، على خلفية اتهامات وُصفت بأنها خطيرة وخارجة عن إطار النقد الموضوعي، الأمر الذي أكد مرة أخرى مَيل نعناع إلى استخدام خطاب جارح يفتقر إلى الأدلة.
