مغالطات تاريخية وتطبيع مقنّع.. فائق الشيخ علي يروّج لخطاب انهزامي ويشوّه تاريخ مواجهة الاحتلال
انفوبلس/ تقرير
في مشهد جديد من تصريحاته المثيرة للجدل، خرج السياسي والنائب العراقي السابق فائق الشيخ علي بتوقعات حادة حول مستقبل المنطقة، مؤكّدًا أن الحرب على إيران باتت وشيكة، وداعيًا صراحة إلى الاستسلام للتفوق العسكري الأميركي والإسرائيلي.
حديثه لم يخلُ من مغالطات تاريخية تتعلق بمحطات الصراع بين حزب الله اللبناني والاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى تقليل تأثير الضربات الإيرانية في الحرب المعروفة بـ"حرب الـ12 يومًا"، ما أثار ردود فعل واسعة وانتقادات لاذعة من متابعين وخبراء اعتبروا أن تصريحاته تخدم خطابًا دعائيًا يصب في مصلحة خصوم قوى المقاومة.
تدقيق حديث "فائق الشيخ علي"
فائق الشيخ علي في خطاب موجه إلى قيادة حزب الله اللبناني (دقيقة 9:48): "كلّ المعارك التي دخلت بها (ضد الكيان الصهيوني) خسرت". لكن تصريح الشيخ علي مضلل، إذ إنّ حزب الله حقق واحداً من أهم الإنجازات العسكرية في المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، متمثلة في إجبار سلطات الكيان على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، كما نجح في مواجهة مع جيش الاحتلال في عام 2006 باعتراف إسرائيلي.
وبحسب تقييم معهد "الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي (INSS)"، فإنّ انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني الأحادي في 24 أيار مايو 2000 من منطقة الأمان في جنوب لبنان عام 2000، "اعتُبر نصرًا لحزب الله".
كما خلصت دراسة أكاديمية لجامعة أكسفورد تحت عنوان "ثلاث مراحل من المقاومة: كيف أخرج حزب الله إسرائيل من لبنان"، إلى أن "استراتيجية حزب الله لتحرير جنوب لبنان كانت ناجحة بشكل أساسي بسبب تكتيكاته الماهرة والمبتكرة في مواجهة العدو في ساحة المعركة".
وبعد حرب تموز 2006، أقرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالفشل عبر النتائج الرسمية للجنة "وينوغراد" التي شُكلت لتقييم نتائج الحرب.
وقال القاضي المتقاعد إيلياهو وينوغراد الذي ترأس لجنة التحقيق الحكومية الإسرائيلية: "إسرائيل فقدت فرصة مهمة. ذهبنا إلى الحرب بمبادرة منا، وكانت حرباً طويلة وانتهت دون انتصار واضح من ناحية الأهداف العسكرية. منظمة من بضعة آلاف المقاتلين (حزب الله) تمكنت من الصمود أمام جيش استفاد من سيطرة جوية مطلقة، وفوائد كبيرة على المستوى التكنولوجي".
كما ورد في التقرير النهائي للجنة، أنّ "جيش الدفاع الإسرائيلي فشل، خاصة بسبب سلوك القيادة العليا والقوات البرية، في تقديم رد عسكري فعّال للتحدي الذي واجهه في حرب لبنان".
*حديث عن الصواريخ الإيرانية
تحدث فائق الشيخ أيضًا عن قدرات دفاعية هائلة بناها الكيان الصهيوني لصد الصواريخ الإيرانية، وفي سياق حديثه قلل من تأثير الضربات الإيرانية على الكيان خلال فترة الحرب قائلاً: "يعني إيران إذا أرادت أن تقصف إسرائيل مو مثل الأيام الماضية مثلاً تخرب بيت.. لا لا.. بعد هذا الشيء أيضًا ما راح يحصل، لكن بالمقابل راح يصير تخريب عظيم وكبير لإيران".
لكن التصريح مضلل أيضًا، إذ أحدثت الضربات الإيرانية خلال الحرب خسائر مؤثرة وكبيرة، وأصابت قواعد عسكرية وكلفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي معظم مخزونها من الصواريخ الدفاعية، مما قاد لاحقًا إلى إعلان الهدنة.
وتشير تقارير أميركية وبريطانية مستندة إلى مصادر إسرائيلية إلى أنّ الحرب التي بدأت في 13 حزيران يونيو 2025 واستمرت 12 يومًا شهدت إطلاق إيران أكثر من 550 صاروخًا باليستيًا وأكثر من 1000 طائرة مسيرة نحو أهداف ومناطق داخل الكيان.
وبحسب "معهد الدراسات الأمنية الوطني" في تل أبيب وبيانات عسكرية إسرائيلية، تم إطلاق حوالي 591 صاروخًا على الكيان الصهيوني، منها ما لا يقل عن 50 صاروخًا أصاب أهدافًا مباشرة رغم "الدفاعات الجوية المتقدمة".
كما تشير بيانات رادار الأقمار الصناعية التي راجعها باحثون أميركيون من جامعة ولاية أوريغون، ونشرتها صحيفة التليغراف، إلى أن ستة صواريخ إيرانية ضربت أهدافًا عسكرية في شمال ووسط وجنوب إسرائيل، بما في ذلك قاعدة جوية كبرى، منشأة استخبارية، ومركز لوجستي.
وأظهرت بصمات الرادار أن هناك أنماط تفجير واضحة في خمسة مواقع عسكرية منفصلة، متوافقة مع ضربات صاروخية خلال ذروة النزاع، وهذه البيانات منفصلة عن 36 ضربة أخرى أُبلغ عنها مسبقًا على أحياء سكنية ومناطق صناعية، سببّت أضرارًا واسعة.
وتضررت أحياء سكنية في تل أبيب، بات يام، هرتسليا، طمرة، بني براك، حيفا، وبيتاح تكفا من الصواريخ التي تسببت في حرائق وانفجارات وأضرار هيكلية لمباني سكنية ومدارس ومنشآت صناعية، فضلاً عن تعرض مصفاة نفط في حيفا لأضرار كبيرة، أسفرت عن وقوع إصابات.
واضطرت سلطات الاحتلال إلى إخلاء نحو 11 ألف مستوطن نتيجة الضربات الإيرانية، كما وثقت سلطات الاحتلال أكثر من 38 ألف تقرير عن أضرار، شملت بنية تحتية حيوية مثل محطات القطارات ومنشآت التكنولوجيا العالية في بئر السبع، مع آلاف القتلى والجرحى.
وتكشف هذه التقارير أيضًا، أنّ نسبة الصواريخ الإيرانية التي اخترقت الدفاعات الإسرائيلية ارتفعت من حوالي 2% إلى حوالي 16% بحلول اليوم السابع من النزاع، نتيجة "ترشيد صواريخ الاعتراض الإسرائيلية وتحسين تكتيكات إيران، وربما استخدام صواريخ أكثر تطورًا، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الولايات المتحدة أنفقت نحو 25% من مخزون صواريخ "ثاد THAAD" الاعتراضية لدعم الكيان خلال الحرب.
انتقادات
تصريحات فائق الشيخ علي الأخيرة قوبلت بانتقادات واسعة، إذ اعتبرها مراقبون ومحللون طرحًا يتعارض مع ثوابت الموقف الوطني والإقليمي الرافض للتطبيع والخضوع للهيمنة الأجنبية.
وأشار المنتقدون إلى أن دعوته للاستسلام للتفوق العسكري الأميركي والإسرائيلي تمثل ترويجًا لواقع الإذعان بدل السعي لتحقيق التوازن والردع، فيما رأى آخرون أن إنكاره أو تشويه حقائق تاريخية عن المواجهات مع الاحتلال يفتقر للمصداقية ويخدم خطابًا دعائيًا يصب في مصلحة خصوم قوى المقاومة. كما نُبّه إلى أن إطلاق مثل هذه المواقف في ظرف إقليمي شديد الحساسية قد يسهم في إذكاء الانقسامات وإضعاف الموقف العربي والإسلامي المشترك.
ويرى المنتقدون أن الشيخ علي، المعروف بآرائه الحادة، يستغل الأوضاع الإقليمية المتوترة لترويج أجندة معينة، وأن دعوته للاستسلام تتعارض مع الموقف الوطني الرافض للهيمنة الخارجية. فيما يرى آخرون أن تصريحاته تفتقر إلى الدقة، وتهدف فقط إلى إثارة الجدل الإعلامي.
أثارت تصريحات فائق الشيخ علي موجة غضب واسعة بين عراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن استيائهم مما اعتبروه "خطابًا انهزاميًا" يروج للتطبيع وقبول التفوق العسكري الأميركي والإسرائيلي كأمر واقع.
واعتبر مغردون أن كلامه يمثل إساءة لتضحيات العراقيين والعرب الذين واجهوا الاحتلال، فيما وصفه آخرون بمحاولة لتزييف التاريخ وتشويه إنجازات المقاومة في لبنان وغزة. وأكد ناشطون أن هذه التصريحات لا تعبّر عن المزاج الشعبي العراقي، بل تصب في خدمة أجندات خارجية، داعين إلى مواجهتها بخطاب وطني يحفظ الكرامة والسيادة.
وترافقت موجة الغضب الشعبي مع مطالبات واسعة من ناشطين وسياسيين بالرد الرسمي على تصريحات فائق الشيخ علي، معتبرين أن صمت الجهات المعنية يمنحها شرعية غير مباشرة. ودعا المنتقدون وزارة الخارجية والبرلمان إلى اتخاذ موقف واضح يرفض أي ترويج للتطبيع أو تبرير للتفوق العسكري الإسرائيلي، فيما طالب آخرون القوى الوطنية والإعلام بالتصدي لما وصفوه بـ"حرب نفسية" تهدف إلى إضعاف إرادة الشعوب. كما شددوا على أن الرد لا يجب أن يقتصر على البيانات، بل يتطلب تعزيز الخطاب المتمسك بالسيادة والرافض لأي إملاءات خارجية.
وفي وقت سابق من العام الماضي 2024، أعلنت قبيلة بني مالك، براءتها من السياسي العراقي فائق الشيخ علي، وشقيقه فارس، متهمة أياهما بــ"دعم الكيان الصهيوني"، في حين دعت الحكومة العراقية لسحب الجنسية من كليهما.
