نواب حاولوا تمرير إخوانهم وأبناء أخواتهم.. صفقات داخل البرلمان: كسر النصاب يُفشل التصويت على قائمة السفراء وسط اعتراضات على “المحسوبية”
انفوبلس/..
لم يكن يوم الاثنين عادياً تحت قبة البرلمان العراقي، فقد تحولت جلسة عادية كان من المفترض أن تناقش بعض القوانين إلى ساحة جدل سياسي واسع، بعد أن أُضيفت بشكل مفاجئ فقرة “التصويت على قائمة السفراء المرسلة من رئاسة الوزراء” إلى جدول الأعمال، الأمر الذي فجّر أزمة جديدة داخل مجلس النواب، ودفع عدداً كبيراً من الأعضاء إلى الانسحاب وكسر النصاب، في مشهد يعكس حجم الخلافات العميقة بشأن آلية اختيار ممثلي العراق في الخارج.
بداية الشرارة: إدراج الفقرة بشكل مفاجئ
الجدل انطلق مع إعلان الدائرة الإعلامية لمجلس النواب أن رئاسة المجلس صوتت على إضافة فقرة جديدة إلى جدول أعمال الجلسة تتعلق بالتصويت على قائمة السفراء. الخطوة التي فاجأت أغلب النواب، لكونها لم تُناقش مسبقاً داخل اللجان المختصة، ولم تُعرض السير الذاتية للأسماء المرشحة، كما لم يتم توضيح معايير الاختيار أو خلفيات المرشحين.
النائب رائد المالكي كان من أوائل المعترضين على هذا الإجراء، إذ قال في بيان مقتضب: “الآن كُسر نصاب الجلسة اعتراضاً على إدراج التصويت على قائمة السفراء دون موافقة النواب ودون معرفة الأسماء”. وأكد المالكي أن النواب الرافضين انسحبوا بشكل جماعي لمنع تمرير الفقرة بطريقة “تفتقر إلى الشفافية”.
إصرار غير مسبوق من المشهداني
من جهته، كشف النائب حسين السعبري، نائب رئيس لجنة الاستثمار، أن ما حدث يُعد سابقة داخل البرلمان. وقال: “كان هنالك إصرار قوي جداً من قبل المشهداني لتمرير قائمة السفراء، وما عرفته أنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا النوع من الإصرار”.
وأضاف السعبري، أن بعض القوى السياسية بقيت داخل القاعة ليس لحرصها على المصلحة العامة، بل لـ”تمرير سفرائها وأقاربهم”، قائلاً: “لاحظنا أن بعض القوى بقيت في مجلس النواب لتمرر سفرائها، ولكي يمرر بعضهم أخاه وابن أخيه وابن أخته”.
وتابع: “المشكلة ليست في وجود قائمة بحد ذاتها، بل في غياب النظام والمعايير. كيف يُطلب مني أن أصوت على أشخاص سيكونون واجهة للعراق في الخارج، من دون أن أعرف أسماءهم ولا سيرهم الذاتية؟ أقل ما يمكن هو أن تُعرض السير الذاتية على النواب قبل أسبوع من التصويت”.
السعبري شدد على أن 95% من أعضاء مجلس النواب لا يعرفون الأسماء ولا حتى عدد المرشحين في القائمة، مؤكداً أن العملية برمتها تمت بشكل “غامض ومريب”.
لجان برلمانية غائبة عن المشهد
واحدة من أبرز النقاط التي أثارها السعبري تتعلق بتغييب دور اللجان البرلمانية المختصة. فبحسب حديثه، هناك أربع لجان كان يفترض أن يُحال إليها ملف السفراء قبل التصويت، وهي: لجنة العلاقات الخارجية، لجنة الأمن والدفاع، لجنة المهجرين والمصالحة، ولجنة النزاهة. هذه اللجان كان من المفترض أن تراجع الأسماء والسير الذاتية وتتحقق من الكفاءة والنزاهة قبل طرح القائمة على التصويت العام، لكن ذلك لم يحدث.
انسحابات وكسر نصاب
الأمر لم يتوقف عند التصريحات، إذ تحولت قاعة البرلمان إلى ساحة فراغ بعد أن غادر عدد كبير من النواب احتجاجاً، وهو ما أدى إلى كسر النصاب القانوني للجلسة، وإجبار رئاسة المجلس على رفع فقرة التصويت.
النائب علاء الحيدري أكد أن الجلسة توقفت بعد انسحاب النواب، وقال: “تم رفع فقرة التصويت على قائمة السفراء بسبب إخلال النصاب بعد مغادرتنا قاعة الجلسة”. لكنه أضاف، أن الجلسة استؤنفت لاحقاً، حيث جرى التصويت على قانون التعديل الأول لقانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011.
أما النائب وفاء الشمري فأكدت أن كسر النصاب كان احتجاجاً مباشراً على طريقة إدراج الفقرة، وقالت: “تم كسر نصاب الجلسة؛ لعدم تزويد النواب بقوائم أسماء السفراء”، مضيفة: “طلبنا من رئيس المجلس إدراج قانون الحشد الشعبي لكنه امتنع وقرر إضافة التصويت على قائمة السفراء الذين لم نعلم من هم أصلاً”.
أغلب الأسماء لا يعرفها النواب
من جانبه، شدد النائب زهير الفتلاوي على أن محاولات تمرير قائمة السفراء داخل مجلس النواب “مرفوضة”، مبيناً أن أغلب النواب لا يعرفون شيئاً عن الأسماء سوى ما تسرّب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الفتلاوي في تصريح صحفي: “القائمة تضم أسماء يفتقد بعضهم للشهادات الأكاديمية، فيما يلاحق آخرين شبهات تتعلق بالمساءلة والعدالة، فضلاً عن وجود مرشحين عليهم ملاحظات تتعلق بالسمعة والكفاءة”.
وأضاف، إن “السفير يجب أن يكون شخصية كفوءة تمثل العراق بصورة مشرفة في الخارج، لكن ما يجري هو صفقات سياسية بين الكتل والأحزاب على بعض الأسماء”. وختم بالتأكيد أن “النواب الرافضين سيكسرون النصاب مجدداً إذا ما أُعيد إدراج الملف على جدول الأعمال”.
صفقات سياسية ومحاصصة عائلية
الجدل الدائر حول قائمة السفراء لا ينفصل عن مشهد أوسع من المحاصصة السياسية والعائلية التي تتحكم بتوزيع المناصب في العراق.
فبحسب ما كشفه السعبري، حاولت بعض القوى استغلال اللحظة لتمرير أقاربها ضمن القائمة، وهو ما ينسجم مع اتهامات متكررة حول أن التعيينات الدبلوماسية تخضع منذ سنوات لمبدأ “المحاصصة الحزبية والعائلية”، لا لمعيار الكفاءة والخبرة.
هذا الواقع جعل الكثير من المراقبين يصفون المحاولة الأخيرة بأنها “تكرار لنفس النهج القديم”، الذي تسبب في تراجع سمعة العراق الدبلوماسية في الخارج، وأدى إلى وجود سفراء لا يمتلكون مؤهلات أكاديمية أو خبرات مهنية كافية.
المشهد برمته يعكس أزمة ثقة متزايدة بين النواب من جهة، ورئاسة البرلمان والقوى السياسية المتنفذة من جهة أخرى. فالنواب المعترضون يؤكدون أن عدم الشفافية هو السبب الرئيسي للاحتجاج، بينما تصر القوى الداعمة على أن تمرير القائمة أمر ضروري لتغطية الشواغر الدبلوماسية في عشرات السفارات العراقية حول العالم.
لكن السؤال الأبرز الذي ظل يتردد داخل الأروقة هو: هل يُعقل أن يُطلب من نواب الشعب التصويت على قائمة لا يعرفون أسماءها ولا سير مرشحيها؟
رغم رفع الفقرة من جدول الأعمال بعد كسر النصاب، إلا أن الأزمة لم تُغلق بعد. فالمعلومات تشير إلى أن الكتل السياسية لا تزال تضغط من أجل تمرير الأسماء في جلسة لاحقة، وربما بشكل “أكثر ترتيباً” لتجنب رد الفعل الذي حصل.
غير أن المعترضين أكدوا أنهم سيواصلون التصدي لأي محاولة لتمرير القائمة من دون معايير واضحة. السعبري نفسه شدد على أن “النواب كانوا منتبهين لمحاولات تمرير القائمة حتى بعد التصويت على قانون التربويين”، مؤكداً أن اليقظة البرلمانية ستستمر في الجلسات المقبلة.