الدافع جنائي والفاعل زميل: من رصاص الغدر إلى جدل الرواية.. اغتيال عقيد في كركوك يهز الأمن ويكشف ازدواجية الإعلام
انفوبلس/..
في صباح ثقيل على كركوك، لم يكن خبر استشهاد العقيد زيد عادل صبيح مجرد حادث أمني عابر، بل تحول سريعاً إلى قضية رأي عام، تداخلت فيها مشاعر الحزن مع أسئلة الأمن، وتشابكت فيها الوقائع الجنائية مع السجالات الإعلامية والسياسية. وبين بيانات رسمية متلاحقة، وتضارب الروايات في الساعات الأولى، ثم حسم وزارة الداخلية لطبيعة الجريمة، برز جدل آخر لا يقل سخونة، فكيف تُدار التغطية الإعلامية؟ ولماذا تُروى بعض القضايا بميزان، وأخرى بميزان مختلف؟
وداع بطعم الفاجعة
قيادة شرطة محافظة كركوك نعت، أمس الجمعة، العقيد زيد عادل صبيح، المنسوب إلى مديرية الجنائية والحركات، مؤكدة في بيانها أن الفقيد كان مثالاً للإخلاص والانضباط، وترك سيرة مهنية “مشرفة” في خدمة الواجب الوطني.
البيان، الذي صدر باسم قائد الشرطة اللواء الحقوقي فتاح محمود ياسين الخفاجي وكافة الضباط والمنتسبين، حمل لغة رسمية تقليدية، لكنها لم تُخفِ ثقل الفاجعة التي أصابت المؤسسة الأمنية.
القيادة استذكرت “عطاءه المخلص” وقدمت تعازيها إلى عائلته ورفاقه، في وقت كانت فيه مواقع إخبارية وصفحات تواصل اجتماعي تتداول أنباء عن اغتياله بطلق ناري أمام منزله في منطقة عرفة، ما فتح الباب مبكراً أمام فرضيات أمنية خطيرة.
الداخلية تتوعد
مع تصاعد التفاعل الشعبي والإعلامي، دخل وزير الداخلية عبد الأمير الشمري على خط القضية، معلناً تشكيل لجنة تحقيقية عليا لمتابعة ملابسات استشهاد العقيد.
بيان الوزير لم يكتف بالتعزية، بل استخدم توصيفاً مباشراً لما جرى، مؤكداً أن العقيد “ارتقى شهيداً إثر تعرضه لإطلاق نار غادر من قبل مسلحين مجهولين أمام منزله”.
هذا الوصف، في حد ذاته، عزز الانطباع الأولي لدى الرأي العام بأن ما حدث اغتيال أمني، لا سيما في محافظة متعددة الهويات مثل كركوك، حيث يقرأ أي حادث أمني بعدسة سياسية أو قومية.
الشمري شدد على أن وزارة الداخلية “ستبقى سداً منيعاً” وأن الجناة سيلاحقون حتى تقديمهم إلى العدالة، في رسالة طمأنة للشارع ورسالة ردع للمجرمين.
تطور درامي.. القبض على المنفذ
لم تمض ساعات حتى أعلنت مصادر أمنية عن إلقاء القبض على منفذ الجريمة على الطريق الحولي.
التطور الأكثر إثارة في هذه المرحلة كان ما كشفه المصدر من أن الجاني أقدم على قتل السائق الذي كان برفقته في السيارة المستخدمة بالجريمة، في محاولة يائسة للهروب بمفرده. لتُثار تساؤلات: من هو القاتل؟ ولماذا قتل شريكه؟
الداخلية تحسم: الدافع جنائي والفاعل زميل
الحسم جاء سريعاً وحاسماً من وزارة الداخلية. بيان رسمي كشف أن التحقيقات أثبتت أن الدوافع جنائية، وأن القاتلَين اثنان من منتسبي الشرطة، زملاء للفقيد، نفذا الجريمة. الوزارة أوضحت أن أحد المتهمين انتحر داخل العجلة في منطقة ليلان، فيما تم القبض على شقيقه، الذي اعترف بارتكابهما الجريمة، وأُجري كشف دلالة مطابق، مع ضبط الأدلة المادية كافة.
بهذا الإعلان، تغير توصيف القضية جذرياً من اغتيال محتمل إلى جريمة قتل داخلية، ارتكبها منتسبون في المؤسسة نفسها.
الإعلام في مرمى النقد
وسط هذه التطورات، فجر المحلل السياسي عصام حسين جدلاً موازياً، موجهاً انتقاداً حاداً لقناة الشرقية. حسين قال إن القناة تبنّت رواية وزارة الداخلية بالكامل في قضية اغتيال العقيد زيد عادل، “لا زيادة ولا نقصان”، لكنها لم تتبنّ رواية الداخلية ولا القضاء في قضية أخرى، هي قضية الدكتورة بان.
بحسب حسين، فإن أخبار قضية الدكتورة كانت تتصدر نشرات القناة، مع استضافة شخصيات تشكك بروايات القضاء، والإصرار على توصيف القضية كاغتيال سياسي، في مقابل التزام حرفي بالرواية الرسمية في قضية العقيد. هذا “الانتقاء الواضح”، كما وصفه، يؤكد – من وجهة نظره – أن التغطية الإعلامية تحكمها تحالفات سياسية وميول طائفية ومناطقية لبعض مُعدّي البرامج.
