ثماني سنوات على النصر الكبير.. العراق يستعيد ملحمته الوطنية في مواجهة قوى الظلام

انفوبلس/ تقارير

تستعيد البلاد يوم غد الأربعاء العاشر من كانون الأول، ذكرى واحدة من أهم محطاتها التاريخية الحديثة: النصر الكبير على الإرهاب وتحرير كامل الأراضي من قبضة قوى الظلام. ذكرى تعود معها تفاصيل ملحمة وطنية صاغها العراقيون بدمائهم ووحدتهم، وبتوجيهات المرجعية الدينية العليا التي أَحيت الهمّة الوطنية وأطلقت فتوى الجهاد الكفائي التي غيّرت مسار التاريخ، وفي هذه المناسبة، استرجعت المؤسسات الأمنية والخبراء أدوار الجيش والحشد الشعبي في تثبيت هذا الانتصار وترسيخ اللحمة الوطنية التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.

توحد العراقيين.. وبداية التحول

في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات، سطّر العراقيون نصرهم الكبير على تنظيم داعش الإرهابي، بعد تحرير كل شبر من الأراضي التي اغتصبتها العصابات التكفيرية، حيث كانت المؤسسة العسكرية والأمنية بكل صنوفها في مقدمة المشهد، وإلى جانبها القوى الوطنية التي شاركت في أشرس المعارك وقدمت تضحيات كبرى دفاعًا عن العراق وسيادته.

ولا يمكن الحديث عن تلك المرحلة دون العودة إلى النداء التاريخي للمرجعية الدينية العليا، حيث شكّلت فتوى الجهاد الكفائي نقطة التحول الأساسية، فوحّدت الشعب واستنهضت طاقات الشباب، وأعادت الروح الوطنية إلى الواجهة في لحظة كان فيها الخطر وجوديًا.

ثماني سنوات مرّت، ولا تزال تلك الملحمة شاهدًا حيًا على قدرة العراقيين على التغيير وصون الأرض والإنسان، بعد أن هزموا مشروعًا إرهابيًا عابرًا للحدود.

فتوى الجهاد.. الشرارة الأولى لمعركة التحرير

الفريق سعد معن، رئيس خلية الإعلام الأمني، يؤكد أن التجربة التي خاضها العراقيون ضد داعش مثّلت منعطفًا تاريخيًا مهمًا، رسّخ وحدة النسيج الاجتماعي وعزّز الهوية الوطنية. 

وقال معن في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن مواجهة داعش كانت اختبارًا قاسيًا أثبت قوة المجتمع وصلابته وقدرته على التوحد أمام الأخطار الكبرى.

وأشار إلى أن فتوى الجهاد الكفائي كانت الحدث الأبرز الذي أعاد التوازن للميدان، وأطلق حالة تعبئة وطنية شاملة أسهمت في تحول المعركة من الدفاع إلى الهجوم. فقد اندفع عشرات الآلاف للتطوع، والتحقوا بالقوات الأمنية، لتبدأ مرحلة التحرير واحدة بعد أخرى.

وفي المناطق التي سيطر عليها داعش، حاول التنظيم فرض قيم دخيلة وقمع المجتمعات المحلية، لكنه واجه رفضًا واسعًا، إذ تعمّق وعي العراقيين بأن المشروع المتطرف لا يمت لبيئتهم وهويتهم بصلة، مما عزز وحدة الرد الشعبي ضده.

سكان المناطق المغتصبة.. الحاضنة الرافضة للإرهاب

شدّد معن على أن سكان المناطق التي احتلها التنظيم كانوا أول المتضررين من قمعه، لكنهم في الوقت نفسه كانوا من أهم من أسهم في مقاومته، إذ قدّموا الدعم للقوات الأمنية بالمعلومات والتنسيق والصمود، وظهرت مجموعات عشائرية قاتلت التنظيم رغم ظروف الاستهداف والتجويع.

وقال إن لحظة التحرير مثلت لهؤلاء السكان عودة الحياة والقانون والدولة بعد سنوات مظلمة، موضحًا أن عودة الناس إلى بيوتهم ومدارسهم وأعمالهم كانت تجسيدًا لعودة الحق إلى أهله.

تماسك المجتمع بعد النصر

من جانبه، يؤكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن مرحلة ما بعد القضاء على داعش شهدت عودة واضحة لتماسك النسيج المجتمعي، خصوصًا في المناطق المحررة شمالًا وغربًا، فالعشائر عادت إلى مناطقها وأسهمت في تثبيت روح الأخوة بين المكونات العراقية.

ووصف أبو رغيف ما تحقق بأنه "نصر ناجز" مكّن العراقيين من استعادة وحدتهم، حيث ارتفع منسوب الشعور الوطني وتراجعت حدة الانقسامات التي حاول الإرهاب تكريسها. 

وأضاف أن فتوى الجهاد الكفائي لعبت الدور الأبرز في هذا التحول، إذ امتزجت دماء المقاتلين من مختلف المحافظات في السواتر، ما أعاد اللحمة الوطنية إلى عمقها التاريخي.

وأشار إلى أن التنظيم ارتكب جرائم واسعة بحق أبناء المناطق التي احتلها، ومنها عمليات قتل جماعي في وادي الخسفة وإعدامات بحق الآلاف، لكنه تجنب ذكر تفاصيل مروعة حفاظًا على قدسية الشهداء وحرمة المشاهد المؤلمة.

دور الحشد الشعبي.. ركيزة النصر الكبرى

لم يكن النصر العراقي ليتحقق لولا الدور المحوري للحشد الشعبي، الذي لبّى نداء المرجعية الدينية فور صدور الفتوى. إذ شكل الحشد قوة حاسمة في معركة التحرير، وقدّم تضحيات جسيمة تجاوزت الأربعين ألف شهيد وجريح.

الحشد الشعبي لم يكن قوة عسكرية فحسب، بل مثل منظومة حماية إنسانية واجتماعية، حافظت على الأرض والعرض وأسهمت في دعم النازحين، والمشاركة في إعادة الاستقرار للمناطق المحررة.

ويشير قادة ميدانيون إلى أن الحشد أصبح ركيزة أساسية في حماية البلاد، وأن الدفاع عنه واجب وطني، لما قدّمه من دور مصيري في تحرير المدن، ولما يمثله من سند للقوات الأمنية.

آخر عمليات الحشد الشعبي

عام 2015:

شارك الحشد الشعبي في عمليات تحرير الفلوجة والرمادي، وفي عمليات لبيك يا رسول الله الثانية بتاريخ 12 تشرين الأول 2015، لتحرير الصينيّة والبو جواري وشمال بيجي ومصفى بيجي. وفي 14 تشرين الأول سيطرت القوات المشتركة على قضاء بيجي بالكامل.

عام 2016:

– في الأول من آذار انطلقت عمليات الإمام علي الهادي لتحرير كامل جزيرة سامراء ومناطق جنوب غرب تكريت وتأمين بغداد ومحافظة صلاح الدين.

– في 3 آذار تحررت جزيرة سامراء بالكامل.

– في 23 أيار أعلن انطلاق عملية كسر الإرهاب لتحرير الفلوجة، وسمّاها الحشد عمليات 15 شعبان.

– في 26 أيار تحررت كرمة الفلوجة.

– في 4 حزيران تحررت الصقلاوية.

– في 26 حزيران 2016 أُعلنت الفلوجة بالكامل محررة.

– في 17 تشرين الأول 2016 انطلقت معركة تحرير الموصل بقيادة القوات العراقية وبدعم البيشمركة والحشد الشعبي.

عام 2017:

في 20 آب انطلقت معركة تحرير تلعفر، وكان الحشد الشعبي القوة الأساسية في الهجوم الذي أنهى آخر معاقل التنظيم في نينوى.

المرجعية.. صمام الأمان

السياسي نبيل العزاوي يصف مرور ثماني سنوات على التحرير بأنه محطة مفصلية في تاريخ العراق، ويرى أن النصر ما كان ليتحقق لولا فتوى الجهاد الكفائي التي وحدت العراقيين، إضافة إلى جهود القوات الأمنية والحشد والبيشمركة.

وأكد العزاوي أن العراق انتقل من مرحلة الخطر إلى مرحلة الاستقرار والانفتاح على الإعمار والتنمية، وأن المرجعية الدينية كانت ولا تزال صمام الأمان في مواجهة المخاطر، ومصدر قوة يعزز تماسك المجتمع.

من جانبه، يرى المحلل السياسي حيدر البرزنجي أن تجربة مواجهة داعش أسست لمرحلة جديدة من وحدة النسيج الاجتماعي، بعد أن امتزجت دماء العراقيين بمختلف انتماءاتهم في ساحات القتال.

وأشار العزاوي إلى أن الحشد الشعبي أصبح أحد أعمدة الدفاع الوطني بعد تضحياته الكبيرة.

وأكد البرزنجي أن نداء المرجعية استجاب له أكثر من ثلاثة ملايين عراقي، ما شكل موجة دفاعية شعبية واسعة غيرت مسار المعركة، ووحدت القلوب رغم اختلاف المشارب والتوجهات.

بدوره، يؤكد الخبير العسكري سرمد البياتي أن العراق تمكن من تجاوز آثار المرحلة العصيبة التي مر بها بعد احتلال داعش لمدن واسعة، وأن الشعب والقوات الأمنية أعادوا المبادرة في تحرير الأرض وإعادة الأمن.

وأشار إلى أن ممارسات التنظيم كانت محاولة لهدم البنية الإنسانية والاجتماعية، لكن الوعي الشعبي والرفض القاطع أسهما في إحباط مشروعه، فيما أصبح الأهالي اليوم من أهم عوامل منع عودة الفكر المتطرف عبر الإبلاغ المبكر عن أي نشاط مشبوه.

الحشد الشعبي.. قوة العراق الفاعلة

الحشد الشعبي، بوصفه ثمرة فتوى الجهاد الكفائي، أدى دورًا محوريًا في تحرير المدن، وقدم أكثر من 40 ألف شهيد وجريح. وقد شكل مع القوات الأمنية منظومة دفاع واحدة، هدفها حماية البلاد من الإرهاب.

كما أسهم في إعادة الاستقرار للمناطق المحررة، وشارك في الإغاثة الإنسانية، وفي تثبيت الأمن بالتنسيق مع الحكومة والقوات العسكرية.

ثماني سنوات مضت على النصر العراقي الكبير، لكن ذاكرة البلاد لا تزال تحتفظ بكل تفاصيل الملحمة: دماء المقاتلين، وحدة الشعب، نداء المرجعية، وعودة المدن إلى أهلها، لقد كتب العراقيون واحدة من أهم صفحات تاريخهم الحديث، وأثبتوا للعالم أن وحدة الإرادة الوطنية قادرة على هزيمة أخطر المشاريع الإرهابية، وصنع مستقبل يستند إلى التضحيات والصلابة والوعي الجماعي.