الحصاد الرياضي العراقي لعام 2025.. إنجازات تخطت الملاعب ووصلت إلى العالمية
انفوبلس/ تقرير
لم يكن عام 2025 مجرد رقم في التقويم الرياضي العراقي، بل كان "انعطافة تاريخية" جسّدت قدرة الرياضة الوطنية على النهوض من وسط التحديات. من ملاعب البصرة وبغداد، وصولاً إلى منصات التتويج في المنامة وهانوي والرياض، كتب الأبطال العراقيون فصلاً جديداً من فصول المجد، متجاوزين مفهوم المشاركة إلى منطق المنافسة والسيادة.
كرة القدم.. "أسود الرافدين" على أعتاب الحلم المونديالي
استحوذت كرة القدم على الحصة الأكبر من الاهتمام الجماهيري، وشهدت تحولات استراتيجية وضعت العراق في صدارة المشهد القاري.
المنتخب الوطني الأول
كان الهدف الأسمى عام 2025 هو تأمين الطريق إلى كأس العالم 2026. وقد نجح "أسود الرافدين" في تحقيق الخطوة الأهم بالتأهل إلى الملحق العالمي بعد معركة كروية في إياب التصفيات الآسيوية أمام الإمارات، انتهت بنتيجة (2-1)، لتعم الأفراح الشارع العراقي.
وفي سياق البطولات الإقليمية، قدم المنتخب أداءً رصيناً في كأس العرب FIFA قطر 2025. رغم الوداع المؤلم من الدور ربع النهائي أمام الأردن، إلا أن البطولة أثبتت امتلاك العراق لمجموعة متجانسة من اللاعبين المحترفين والمحليين.
ولم يخرج العام دون لقب، حيث توج العراق بلقب كأس ملك تايلاند 2025، وهو ما انعكس إيجاباً على تصنيف الفيفا، حيث قفز العراق للمركز 57 عالمياً، وهو أفضل مركز يحققه منذ سنوات.
المنتخبات العمرية
المنتخب الأولمبي (تحت 23 سنة) كان "فاكهة" البطولات الخليجية، حيث وصل إلى نهائي بطولة الخليج الأولمبية في السعودية، ورغم خسارته اللقب أمام صاحب الأرض، إلا أنه كسب جيلاً من اللاعبين الواعدين الذين سيكونون العمود الفقري للمنتخب الأول في السنوات القادمة.
أما منتخب الشباب (تحت 20 سنة)، فقد كانت مشاركته في كأس آسيا بمثابة محطة إعدادية كبرى، رغم خروجه المبكر، إلا أنه كشف عن مواهب لافتة بدأت بالفعل بالاحتراف الخارجي.
ثورة الأندية.. دهوك والشرطة يكتبان التاريخ
محلياً وإقليمياً، لم تكن الأندية العراقية أقل شأناً من المنتخبات
نادي دهوك: عام "الريمونتادا" التاريخية
يُعتبر نادي دهوك هو "الحصان الأسود" والمفاجأة الأكبر لعام 2025. استطاع النادي الشمالي أن يحقق ما عجزت عنه أندية بغداد العريقة هذا العام، حيث تُوج بلقب بطولة الخليج للأندية في إنجاز تاريخي غير مسبوق للكرة العراقية في هذه البطولة.
ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف لقب كأس العراق لخزانته لأول مرة في تاريخه، ليجمع بين المجد المحلي والإقليمي في موسم واحد.
نادي الشرطة: ملك الدوري بلا منازع
في العاصمة بغداد، أثبت نادي الشرطة أنه يمتلك النفس الأطول، حيث تُوج بلقب الدوري العراقي للمحترفين 2024–2025 للمرة الرابعة على التوالي. هذا الإنجاز يعكس الاستقرار الإداري والفني للنادي الأخضر، ويضعه كقوة مهيمنة محلياً لا تُقهر بسهولة.
الجمهور العراقي.. رسالة إنسانية أبهرت العالم
في عام 2025، لم يكن الإنجاز محصوراً داخل المستطيل الأخضر فقط. فقد توجت جماهير نادي زاخو بجائزة أفضل مشجع في العالم من قبل الفيفا. هذه الجائزة جاءت بعد مبادرة "أمطار الدمى" الإنسانية، حيث ألقى آلاف المشجعين الدمى على أرض الملعب لدعم الأطفال المصابين بالأمراض والنازحين.
كانت رسالة عراقية للعالم بأن الرياضة هي لغة السلام والمحبة، وقد تناقلت كبرى الوكالات العالمية هذه اللفتة التي وضعت الجمهور العراقي في أسمى مراتب الوعي الرياضي.
الرياضات الفردية.. "الألعاب المظلومة" تضيء سماء العراق
بعيداً عن صخب كرة القدم، كانت الألعاب الفردية "منجم الذهب" الحقيقي للرياضة العراقية في 2025.
المواى تاي والملاكمة: قفازات ذهبية
برز اسم البطل مصطفى التكريتي كأحد أعظم الرياضيين العراقيين في هذا العقد. حقق التكريتي سلسلة من الذهبيات، بدأت بذهبية آسيا في هانوي، وتوجت بذهبية دورة ألعاب التضامن الإسلامي في الرياض.
وفي الملاكمة، أثبت سجاد سالم (فوز بذهبية آسيا للناشئين) وعلي قاسم (إحراز الميدالية البرونزية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي) أن الجينات العراقية قادرة على الصمود وتحقيق الذهب والبرونز في المحافل الآسيوية والإسلامية.
رفع الأثقال والمصارعة: القوة البدنية العراقية
عاد الرباع علي عمار يسر ليتصدر المشهد بثلاث ميداليات فضية في وزن +110 كغم، مبرهناً على أنه خليفة شرعي لأساطير رفع الأثقال العراقيين. كما فاز الرباع الشاب موسى خضير بميداليتين فضيتين في الألعاب الآسيوية للشباب.
وفي المصارعة، كانت فضية سجاد علي مكسر وبرونزية علي ياسين في بطولة آسيا بالأردن دليلاً على عودة "البساط العراقي" للمنافسة القارية.
ألعاب القوى: حصاد منوع
شهد عام 2025 تنوعاً كبيراً في ألعاب القوى، من رمي القرص (مصطفى كاظم داغر) إلى القفز بالزانة (أمير صبيح) ورمي الرمح (ياسر قاسم). تميز هذا العام ببروز جيل الناشئين الذين حصدوا المركز الثاني في بطولة غرب آسيا، مما يطمئن القائمين على الرياضة بمستقبل "عروس الألعاب".
وفاز مصطفى كاظم داغر ببرونزية رمي القرص في دورة التضامن الإسلامي – الرياض، كما أحرز فريق البريد العراقي 4×400 م تتابع الميدالية البرونزية في الجولة القارية بالهند، وفاز أمير صبيح بفضية القفز بالزانة. وحقق ياسر قاسم فضية رمي الرمح في البطولة العربية للناشئين بتونس، فيما أحرز محمد عبد الحميد طالب فضية الوثب العالي. وحصل المنتخب العراقي للناشئين على المركز الثاني في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى 2025.
الرياضة النسوية والبارالمبية.. كسر الحواجز
أثبت عام 2025 أن الرياضة العراقية لم تعد حكراً على الرجال، إذ حقق منتخب سيدات العراق لكرة القدم إنجازاً تاريخياً بحصد المركز الثالث في بطولة غرب آسيا في أول إنجاز قاري للمنتخبات النسوية العراقية. كما تقدم تصنيف كرة الصالات النسوية للمركز 16 آسيوياً.
اللجنة البارالمبية
واصل أبطال الإرادة في العراق تألقهم، حيث حصدوا 13 ميدالية في بطولة آسيا للشباب بدبي. تألق النجمتان نجلة الدايني وفاطمة فاضل كان بمثابة رسالة إصرار وتحدٍ، حيث عانقن الذهب ورفعن علم العراق عالياً في سماء الإمارات.
كما مشاركة العراق في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب – المنامة 2025 بوفد ضم 26 رياضياً من 8 اتحادات، وحصد الرياضيون العراقيون 14 ميدالية تنوعت بين الذهب والفضة والبرونز.
محطات الوداع والذاكرة
لم يخلُ العام من لحظات الوفاء؛ فقد أعلن النجم جستين ميرام اعتزاله الدولي، تاركاً خلفه مسيرة من العطاء بقميص الأسود، ليكون قدوة للاعبين المغتربين في الانتماء.
وفي المقابل، احتفت الكرة العراقية بجيل الرواد من خلال التتويج بلقب كأس الخليج لقدامى اللاعبين، في لفتة تؤكد أن العراق لا ينسى مبدعيه.
ماذا بعد 2025؟
إن هذا الحصاد الغني لعام 2025 يطرح تساؤلات حول سبل الاستدامة. فالتفوق العراقي لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة استقرار نسبي في الإدارات الرياضية، ودعم حكومي متزايد للبنى التحتية.
وبحسب رياضيين، فهناك حاجة إلى تحويل "طفرة 2025" إلى نظام مؤسسي مستدام، وتطوير مراكز إعداد الأبطال الأولمبيين لضمان ميداليات في أولمبياد 2028، ودعم الرياضة النسوية بشكل أكبر لتنتقل من مستوى "المشاركة المشرفة" إلى "المنصات الذهبية".
وفي المحصلة، فإن عام 2025 سيبقى محفوراً في ذاكرة العراقيين كعام "البعث الرياضي". هو العام الذي هزم فيه العراق الصعاب، ونافس فيه كبار القارة، وقدم فيه للعالم درساً في الروح القتالية والإنسانية. لقد وضع أبطال 2025 حجر الأساس، وعلى الأجيال القادمة أن تواصل البناء ليبقى اسم العراق خفاقاً في كل محفل.



