قانون العفو يسجل أعلى الأرقام منذ تطبيقه والقضاء يكشف التفاصيل
إحصاءات قياسية مفاجئة
انفوبلس..
يشهد ملف العفو العام في العراق عودة قوية إلى واجهة الجدل السياسي والقانوني، بعدما كشفت هيئة النزاهة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى عن أرقام ضخمة تتعلق بالمشمولين بالقانون، سواء من المدانين بقضايا فساد أو من المحكومين والمتهمين في قضايا جنائية مختلفة، خاصة بعد إعلان القضاء بلوغ العدد الإجمالي للمطلَق سراحهم من السجون ومراكز التوقيف (37,253) شخصاً.
ويأتي هذا الجدل في ظل مخاوف متصاعدة من أن تؤدي بعض بنود القانون المعدّل إلى فتح الباب أمام الإفراج عن أشخاص متورطين في قضايا خطرة، وسط تباين حاد بين القوى السياسية بشأن فلسفة العفو وطبيعة الفئات التي يشملها.
وبينما تؤكد الجهات الرسمية أن تعديل القانون يهدف إلى تعزيز المصالحة وإعادة تأهيل المحكومين، يرى معارضون أن بعض التعديلات قد تهدد الأمن العام وتمنح فرصاً للإفلات من العقاب، خصوصاً في ملفات الفساد والإرهاب.
توسّع في أعداد المشمولين واسترداد مبالغ مالية كبيرة
تقرير النزاهة: نحو (1,170) مداناً استفادوا من العفو عن (590) حكماً قضائياً، مع الإشارة إلى أن الحكم الواحد قد يضم أكثر من مدان، بينما ارتفع عدد المتهمين المشمولين بالعفو في قضايا النزاهة إلى (8,105) عن أكثر من 22 ألف قضية
وأظهر التقرير نصف السنوي لهيئة النزاهة الاتحادية أرقاماً لافتة حول حجم المشمولين بقانون العفو العام في ملفات الفساد، إذ بلغ عدد المتهمين والمدانين الذين شملهم العفو (9,275) شخصاً، في حين تجاوزت قيمة الأموال المستردة بموجب القانون ملياراً و597 مليون دينار.
وبيّن التقرير أن نحو (1,170) مداناً استفادوا من العفو عن (590) حكماً قضائياً، مع الإشارة إلى أن الحكم الواحد قد يضم أكثر من مدان، بينما ارتفع عدد المتهمين المشمولين بالعفو في قضايا النزاهة إلى (8,105) عن أكثر من 22 ألف قضية.
كما أكد أن هذه الإحصاءات تندرج ضمن صلاحيات الهيئة القانونية، فيما كشفت دائرة التخطيط والبحوث عن إنجاز المسودة الأولية للاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد 2025–2030 بالشراكة مع جهات دولية.
وأوضح التقرير أنَّ "هذه الإحصاءات تأتي ضمن الصلاحيات المحدَّدة للهيئة في المادّة (3/ ثامناً) من قانون هيئة النزاهة الاتحاديَّة رقم (30 لسنة 2011) المعدّل، والتي تمنحها مسؤوليَّة إعداد السياسات العامَّة لمكافحة الفساد وتنفيذها، بالاعتماد على تحليل الوضع الراهن وتحديث البيانات المرتبطة بعملها".
من جانبٍ آخر، أكّد التقرير أنَّ "دائرة التخطيط والبحوث في الهيئة أنجزتْ المسوَّدة الأوليَّة للاستراتيجية الوطنيَّة للنزاهة ومكافحة الفساد (2025 – 2030)، بالتعاون مع شركاء دوليين منهم مكتب الأمم المتحدة المعنيُّ بالمخدِّرات والجريمة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائيُّ، والوكالة الإنمائيَّة للتعاون الدوليِّ".
أرقام قياسية للمشمولين منذ بدء تطبيق القانون
وأصدر مجلس القضاء الأعلى إحصائية موسعة تكشف حجم المشمولين بقانون تعديل العفو رقم (27) لسنة 2016 المعدّل، بعد مرور أسابيع على بدء تطبيقه بصيغته الجديدة.
ووفق البيان الصادر عن إعلام القضاء في 6 تشرين الثاني 2025، فقد بلغ العدد الإجمالي للمطلَق سراحهم من السجون ومراكز التوقيف (37,253) شخصاً، وهو رقم يعكس اتساع نطاق تنفيذ القانون وتنوع الفئات القانونية المشمولة به.
ولم يقتصر تأثير القانون على الموقوفين فقط، إذ ارتفع عدد المشمولين من المتهمين الصادر بحقهم أوامر قبض أو استقدام، إضافة إلى المكفَّلين والمحكومين غيابياً، ليصل إلى (150,471) شخصاً، ما يسلط الضوء على نطاق واسع من الملفات القانونية التي تمت معالجتها خلال فترة قصيرة.
وفي جانب آخر، أظهرت الإحصاءات المالية استرداد مبالغ كبيرة بلغ مجموعها أكثر من (40.9) مليار دينار، إضافة إلى ما يزيد على (34.3) مليون دولار، ما يعيد فتح النقاش حول التوازن بين إتاحة الفرص القانونية للمدانين واستعادة حقوق الدولة في الوقت ذاته.
وصوت مجلس النواب العراقي بالموافقة على 3 تشريعات رئيسية تشمل تعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وقانون إعادة الممتلكات إلى أصحابها الشرعيين المتضررين من قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، والتعديل الثاني لقانون العفو العام في العراق 2025.
أبعاد سياسية وقانونية متصاعدة
التصويت على إقرار التعديل الثاني لقانون العفو العام لعام 2025، وهو التشريع الأكثر إثارة للنقاش خلال الفترة الماضية، لما يحمله من تأثير مباشر على ملفات قضائية واسعة وحساسة، ويهدف التعديل، وفق ما أعلنه البرلمان، إلى تعزيز المصالحة ومنح فرصة قانونية جديدة لمدانين بجرائم محددة، وهو مطلب تبنته الكتل السنية منذ انضمامها إلى حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، باعتبار القانون مدخلاً لمعالجة ملفات يعتقد أنها تتعلق بمعتقلين أبرياء أو محكومين بقضايا خلافيّة.
ورغم محاولات تمريره في دورات سابقة، لم ينجح القانون إلا بعد سلسلة تفاهمات سياسية أفضت إلى الاتفاق على تعديل خمس مواد أساسية، شملت قضايا المخدرات وبعض الجرائم، إضافة إلى إعادة تعريف الجريمة "الإرهابية" بما يوسع نطاق المشمولين.
وأثار هذا الجانب تحديداً نقاشاً واسعاً، إذ تخوّف معارضون من أن يمنح التعديل فرصة لإفلات مدانين بجرائم كبيرة، أو أن يؤدي إلى فتح ملفات مرتبطة بالفساد، وبينها القضية المعروفة بـ"سرقة القرن". ومع ذلك، يؤكد مؤيدو القانون أنه خطوة ضرورية لإعادة دمج بعض الفئات وإغلاق ملفات ظلت عالقة لسنوات بسبب اختلاف التفسيرات والظروف السياسية.
اعتراضات على القانون
وأثار تطبيق التعديل الجديد لقانون العفو العام موجة واسعة من الاعتراضات السياسية، تركزت بشكل خاص على المواد التي يُعتقد أنها قد تسمح بشمول متهمين في قضايا إرهاب وجرائم ذات طابع خطير.
وترى قوى سياسية، وفي مقدمتها كتل بارزة داخل مجلس النواب، أن توسيع نطاق المشمولين بالعفو يحمل مخاطر محتملة على الأمن الداخلي، خصوصاً إذا شمل أفراداً سبق أن صدرت بحقهم أحكام تتعلق بالانتماء إلى جماعات مسلحة أو التحريض على العنف.
ويستند المعترضون إلى تجارب سابقة شهدت إعادة تنشيط خلايا خطرة بعد الإفراج عن عناصرها، مستفيدة من ظروف سياسية غير مستقرة وتسويات ظرفية.
ورغم محاولات الجهات الرسمية طمأنة الشارع بأن الإفراجات ستخضع لرقابة أمنية دقيقة، فإن النقاش تصاعد بعد تداول معلومات عن شمول شخصيات معروفة بقضايا إرهابية وفساد، ما أثار تساؤلات حول آليات تدقيق الملفات ومعايير التمييز بين من يحق له الاستفادة من العفو ومن لا يحق.
كما أعاد الإفراج عن النائب السابق أحمد العلواني الجدل إلى الواجهة، في ظل سجله المرتبط بتحريض سياسي وأمني في محافظة الأنبار خلال سنوات التوتر.
ويرى خبراء أن نجاح القانون يعتمد على قدرة الدولة على ضبط تداعياته، خصوصاً منع استغلاله لإحياء شبكات خطرة أو إعادة إنتاج توترات أمنية قد تؤثر على استقرار البلاد في المرحلة المقبلة.
