الحاجة لدكتاتور شيعي من أجل بناء الدولة

كتب / سلام عادل

أنهى تولّي ترامب السلطة في البيت الأبيض بعض التصورات الجاهزة عن ديمقراطية أمريكا، التي تتجمد بمجرد إعلان نتائج صناديق الاقتراع، من ناحية تحول الفائز بمنصب الرئيس إلى دكتاتور بصلاحيات تفوق الخيال، بما فيها العفو عن المعتقلين وفصل الموظفين بجرة قلم، وغلق دوائر وفتح أخرى، وإنهاء معاهدات دولية، وتهجير لاجئين بالطائرات العسكرية، وتغيير سياسات داخلية وخارجية، وهي كلها قرارات تكشف عن كون الرئيس فوق جميع المؤسسات، بل وإن الدولة تُدار من قبل الرئيس وليست المؤسسات.

والحال يشبه ما يجري في فرنسا حين يدخل الفائز بالانتخابات إلى قصر الأليزيه، وهي من المفترض دولة تُدار بنظام شبه رئاسي، إلا أن الرئيس يتاح له ما يتاح للدكتاتور الحاكم، لدرجة يكون بمقدوره اتخاذ قرارات كبرى وإلغاء أخرى بجرة قلم أيضاً، وهو ما فعله ماكرون في أكثر من مرة بينها حل البرلمان، وحرمان قوى فائزة من استحقاقاتها الانتخابية، الأمر الذي جعلها مجرد نائحة تولول على صفحات الجرائد، ومجرد راسم صور كاريكاتورية تقارب بين دكتاتورية ماكرون ودكتاتورية نابليون.

والغرام بالدكتاتور حالة شائعة أكثر في البلدان العربية، وحتى دون الحاجة إلى النظر بخلفيات هذا الدكتاتور، إن كان عسكرياً أو مدنياً، بما فيها من كان إرهابياً معروفاً مثل أبو محمد الجولاني، الذي تولى رئاسة سوريا بالبلطجة، ومن دون أي تأييد شعبي أو نتائج انتخابات، ورغم رفض واعتراض مكونات شعب سوريا الكبيرة، مثل العلويين والمسيحيين والأكراد والشيعة والدروز، ومختلف أشكال التيارات والمنصات السياسية في الداخل السوري والخارج.

ومن الواضح أن مخرجات موجة الربيع العربي كانت عبارة عن عملية استبدال لدكتاتور بآخر، لا أكثر ولا أقل، سواء جرى فيها تسويق عملية سياسية بتغليف ديمقراطي، أو بإرادة خارجية تتم طمطمتها بشرعية ثورية يتاح لها فعل أي شيء تحت متناول اليد، ويعلل كل ذلك بإرادة المكون الأكبر، بحسابات قومية أو طائفية، باعتبار أن المكون الأكبر هو الذي يحكم، وهو الذي يصوغ هوية الدولة، وليس على الأقليات الأخرى غير الانصياع والقبول بالتعايش في حده الأدنى.

ولعل النظام العراقي الاتحادي هو الوحيد الذي يعيش مفارقة عجيبة من نوعها، تختلف عن الأنظمة الفيدرالية في العالم، بلحاظ أن إقليم كردستان، شبه المستقل، مع كونه جزءاً من الجغرافيا الوطنية العراقية وليس كياناً خارجياً قرر الاتحاد لاحقاً، ومع ذلك يعمل بنظام رئاسي ذي نزعة استبدادية دكتاتورية، فيما العاصمة الاتحادية ديمقراطية برلمانية تختنق فيها صلاحيات الحاكم، الذي يمثل الأغلبية الشيعية الساحقة.

والجدير بالذكر أن العراق، وفق مساراته التي تشكلت ما بعد 2003، الوحيد من بين دول المحيط الإقليمي يتمسك بالاتجاه الديمقراطي، ويحصل ذلك بدعم وحماية الأكثرية الشيعية، التي تجد نفسها راعياً تاريخياً للتنوع والاجتهاد في التاريخ الإسلامي، ولولا حاكمية الشيعة في العراق لكانت الدكتاتورية تعيد إنتاج نفسها مجدداً في بغداد، بثوب قومي عربي سُني يتشابه مع الثوب القومي الكردي السُني في أربيل.

ومن هنا تظهر التساؤلات المعجونة بمخاوف على لسان الأغلبية الشيعية، من كون النظام الديمقراطي في العراق يحتاج إلى حاكمية شيعية قوية تحمي الدولة من السرقة عبر الانقلابات والمؤامرات والدسائس السياسية، وبمختلف أشكال التخادم والتخابر، في ظل حنين المكونات الأخرى للدكتاتورية ونزعة الاستبداد المضمرة، وبالأساس ينبغي على الحكمية الشيعية الحفاظ على وجود وحقوق المكون الأكبر، الذي جرى سلب حقه في حقب عديدة سابقة.  

ملاحظة: كاتب المقال شخص ديمقراطي لا يؤيد النزعة الدكتاتورية.

#شبكة_انفو_بلس