تكامل الشرق والغرب بين العراق وإيران
لعل متغيرات عودة ترامب للبيت الأبيض مجدداً ستخلق تحدياً شبيهاً بتحديات هتلر، من ناحية نواياه المعلنة تجاه العالم، والتي لن ينجو منها أحد في حال تُركت له حرية العبث بالحدود ومقدرات الدول، ويشمل ذلك حتى أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين
كتب / سلام عادل
في الوقت الذي ترى إيران أن العراق غربها يرى العراق أن إيران شرقه، وهي ثنائية جغرافية تفرض على الطرفين بناء تفاهمات سياسية مستدامة، وهو ما وصل له البلدان في إطار سعيهما لبناء علاقات صحيحة وسليمة، تأخذ بعين الاعتبار سيادة واستقلالية وخصوصية كل دولة، وبات ذلك يظهر بوضوح من خلال اللقاءات الرسمية المتبادلة، وحالة الأمن والسلام على الحدود المشتركة، فضلاً عن ازدهار التجارة وكافة أشكال التبادلات المشروعة.
ومن هنا يمكن قراءة اتجاهات لقاء طهران الأخير، الذي جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع السلطات الإيرانية العليا، والذي تبعته تحركات دولية كانت مقررة سلفاً لتعزيز مكانة البلدين الجارين، ولكن على امتدادات دولية أبعد من مساحة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي اتجه فيه العراق غرباً نحو لندن، نرى إيران تتجه شرقاً نحو موسكو، وفي الحالتين عقدت بغداد وطهران اتفاقيات استراتيجية بعيدة المدى مع عواصم الدول العظمى، في توقيت يبدو محسوب بحسابات دقيقة أخذت بالاعتبار متغيرات ما يجري.
وبمجرد إعادة قراءة تحديات القرن الماضي تتضح أهمية الشرق الأوسط على خارطة النزاع الدولي، وهو ما أتاح للعراقيين والإيرانيين في ذلك الوقت انتزاع دول سيادية من تحت هيمنة المنتصرين في الحربين العالميتين، الأمر الذي يعيد تكرار نفسه مجدداً مع مطلع القرن الحالي، من ناحية عودة الهيمنة والتنازع على النفوذ بين أقطاب شرق العالم وأقطاب غرب العالم، والذين لطالما دخلوا في حروب طاحنة بحثاً عن الموارد والأسواق والنفوذ العابر للقارات، ولم يكن التعاون بينهم إلا في استثناءات محدودة كانت فيها المصالح المشتركة هي الجامع، وهو ما حصل إبان التحالف ضد النازية.
ولعل متغيرات عودة ترامب للبيت الأبيض مجدداً ستخلق تحدياً شبيهاً بتحديات هتلر، من ناحية نواياه المعلنة تجاه العالم، والتي لن ينجو منها أحد في حال تُركت له حرية العبث بالحدود ومقدرات الدول، ويشمل ذلك حتى أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين، نذكر منهم كندا، التي صارت على بوصلة الأطماع الأمريكية، وكذلك أوروبا، التي تخشى حرباً تجارية ستزيد من شللها الاقتصادي، ويشمل ذلك بريطانيا والخليج وأمريكا اللاتينية، وحتى أفريقيا، فضلاً عن نمور وعمالقة آسيا الكبرى، وهذا بالتالي تهديد وجودي يستهدف العالم.
ولهذا ذهب العراق لخلق امتدادات غربية بعد أن بات مطمئناً لشرقه، وكذلك ذهبت إيران لخلق امتدادات شرقية بعد أن اطمأنّت لغربها، وهو تكامل مشفوع بقراءة لخرائط التاريخ، التي رسمها أبناء الحضارات الأولى، حين لم يكن فيها أبعد من إيران شرقاً ولا أبعد من العراق غرباً، وظل ذلك لقرون حتى بدأ العالم يتوسع بعد اكتشافات كولومبوس، لتظهر معه خرائط جديدة صارت فيما بعد تمثل حدود الدول المنخرطة بالنظام العالمي الواقع تحت التهديد حالياً.
ولا أستبعد في هذا الصدد قدرات إيران والعراق على جمع الشرق مع الغرب لمواجهة تحديات تخريب النظام الدولي، بحكم إمكانيات البلدين الهائلة على المستوى المادي والبشري، خصوصاً حين تكون المصالح المشتركة قاعدة لجذب الأطراف مهما كانت الاختلافات.
#شبكة_انفو_بلس