هوية بغداد الشيعية .. الجغرافيا تعرف أبناءها
مثلما الحضارة العلوية، التي تأسست في الكوفة سنة 656 ميلادية، كانت شيعية، كذلك الحضارة الفاطمية، التي تأسست في القاهرة سنة 909 ميلادية، كانت شيعية، وأيضاً الحضارة العباسية، التي تأسست سنة 750 ميلادية، كانت شيعية، بل وبدافع من ثورة شيعية قادها زعماء وعوائل ش
كتب / سلام عادل
خلال سبعة أيام من كل عام يُحيي الشيعة العراقيون مراسم ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم، الذي قضى جزءاً من حياته في السجن، وعاصر فترة حساسة من تاريخ المسلمين، ووُصف بمختلف الألقاب من بينها (سيد بغداد)، التي مات فيها ودُفن سنة 779 ميلادية، وصار قبره مزاراً شاهقاً مبنياً بالذهب والمرمر ومُزيّن بأجمل النقوش، وهو مقصد المريدين والزائرين من كافة أتباع الطائفة الشيعية في العالم.
ومثلما الكاظم (سيد بغداد)، كذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سيد النجف)، وأحفادهما الإمام الحسن العسكري والإمام علي الهادي (سيدا سامراء)، وتُعد المدن الثلاث من عواصم الحضارة الإسلامية، التي انطلقت من العراق كبداية لتأسيس مفهوم الدولة الحضارية سنة 36 هجرية، وهو ما يجعل من المناسب الإشارة هنا إلى أهمية الأضرحة العلوية في رسم جغرافيا التأثير الشيعي، باعتبارها تمثل نقاط الاستقطاب السكاني ومرتكزات الحضارة الإسلامية.
ومثلما الحضارة العلوية، التي تأسست في الكوفة سنة 656 ميلادية، كانت شيعية، كذلك الحضارة الفاطمية، التي تأسست في القاهرة سنة 909 ميلادية، كانت شيعية، وأيضاً الحضارة العباسية، التي تأسست سنة 750 ميلادية، كانت شيعية، بل وبدافع من ثورة شيعية قادها زعماء وعوائل شيعة بشعارات وأهداف شيعية خالصة، وبرسالة كانت تنطوي على رؤية تنويرية تتيح توفير مساحة حرة واسعة لنشؤ تعددية فقهية وازدهار علمي.
ومن هنا تتطلب إعادة قراءة تلك الفترة بميزان يتجاوز الصراعات على الحكم، التي بسببها فقدت الأمة أئمة هداة كان هدفهم ترسيخ قيم أخلاقية رفيعة ومبادئ عدالة اجتماعية ومساواة إنسانية، وهو الدافع اليوم وراء إحياء ذكر الأئمة، الذي يعني في نفس الوقت التذكير بسوء الحاكمين، حين انشغلوا بطموحاتهم الشخصية وصراعاتهم على كرسي زائل، لم يدم لأحد في السابق ولن يدوم لأحد لاحقا.
وبطبيعة الحال، تكشف الحشود الجماهيرية في بغداد خلال الأيام السبعة الماضية، التي تجاوز عددها 14 مليون زائر، حجم الالتصاق الروحي بالإمام الباقية ذكراه عبر الزمن، وليس خليفة ذلك الزمان المنتهية ولايته، وسط عطاء مذهل لا مثيل له في العالم، وبكرم يفوق الخيال ظهر بوضوح على مسارات الطرق الممتدة نحو مدينة الكاظمية، بصوبي بغداد الكرخ والرصافة.