بينها اتفاقية "السلام" مع الكيان.. تعرّف على أوراق مصر لمواجهة ضغوط ترامب الرامية لتهجير سكّان غزة إلى أراضيها
انفوبلس..
أمام تصريحات ترامب ـ نتنياهو التي دعت لتهجير سكان غزة، شددت مصر موقفها الرافض لهذه المقترحات، وشهدت القاهرة سلسلة من التصريحات الحادة والاحتجاجات الشعبية بالقرب من معبر رفح، بالإضافة إلى اتصالات مكثفة مع قادة عرب. وأعلنت مصر عن عقد قمة عربية طارئة لبحث مصير القضية الفلسطينية، مؤكدة أنها لن تقبل تغييراً في وضع الفلسطينيين مهما كانت الضغوط. وتواصل مصر تعزيز جاهزيتها الدبلوماسية والعسكرية لمواجهة التحديات القائمة، فما هي خيارات مصر للمواجهة؟
بـ 13 موقفا رسميا على الأقل، رفضت مصر تصريحات تتواصل منذ نحو 3 أسابيع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتدعو لتهجير الفلسطينيين في غزة خارج أراضيهم تارة لمصر وأخرى للأردن وثالثة للسعودية.
وتنوعت المواقف المصرية بين تصريحات وبيانات رسمية بلهجة أكثر صرامة، واحتشاد شعبي قرب معبر رفح الحدودي وإجراء اتصالات عربية وزارية مكثفة تجاوزت 11 اتصالا في يوم واحد، وإعلان عقد قمة طارئة بالقاهرة بشأن القضية الفلسطينية أواخر فبراير/ شباط الجاري، وإجراء زيارة على مستوى وزير الخارجية بدر عبد العاطي لواشنطن.
الاستمرار في لهجة رسمية أكثر حزماً، وتشكيل جبهة رفض عربية ودولية، ومخاطبة الداخل الأمريكي مباشرة، والمضي في الإعداد لمؤتمر إعادة إعمار غزة والتمسك بعدم إخراج الفلسطينيين، ستكون خيارات لمصر لتجاوز تصريحات ترامب ونتنياهو، وفق ما ذكره مسؤول مصري سابق وخبراء مصريون بارزون للأناضول.
ولفت الخبراء إلى أن الولايات المتحدة "دولة مؤسسات وليست عبارة عن ترامب وتصريحاته فقط"، وسط اختلاف بينهم بشأن إمكانية التلويح بتجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل.
وبدأت مصر بشحذ قواها السياسية والدبلوماسية لوقف خطط ترامب المتمثلة في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما أشار معلّقون عسكريون في قنوات مصرية مختلفة إلى أن الجيش "بدأ في تعزيز قواته العسكرية" في سيناء.
وطالب وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد المجيد صقر، قوات الجيش الثالث الميداني "بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، لتظل القوات المسلحة قادرة على الوفاء بالمهام والمسؤوليات المكلفة بها تحت مختلف الظروف"، وفق بيان للمتحدث باسم الجيش المصري العميد غريب عبد الحافظ.
بالإضافة إلى الجهود المصرية الرسمية والدبلوماسية لوقف مخططات ترامب لتهجير سكان غزة، قالت صحيفة معاريف العبرية إن مسؤولين مصريين أبلغوا مدير المخابرات الأمريكية، وليام بيرنز، أن القاهرة سوف "تلغي اتفاقية السلام مع إسرائيل"، إذا واصلت الولايات المتحدة الضغط لتهجير سكان غزة، أو حتى أوقفت المساعدات الأمريكية.
وقال بهاء الدين محمود، الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ترامب "لن يستطع تنفيذ أي خطط له في غزة أو الشرق بدون موافقة مصر، ولن تجدي ضغوطه على مصر بالمساعدات، سواء العسكرية أو الاقتصادية".
وأضاف: "جزء كبير من هذه المساعدات يعود للولايات المتحدة من خلال الاستعانة بالخبراء والمدربين الأمريكيين، وحجم هذه المساعدات، كما هو واضح، ضئيل جداً، وليس محورياً في الاقتصاد المصري، ولن يمثل معضلة؛ خاصة إذا تدخلت الدول العربية الأخرى لتعويض مصر".
وتابع أن اتفاقية السلام تمثل "ورقة قوية" في يد مصر للتفاوض مع ترامب حول مستقبل غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، مشيراً إلى إن الإسرائيليين "لا يريدون بالتأكيد إنهاء السلام مع مصر، خاصة في ظل القلق من عودة الحرب في غزة".
وأضاف أن "هذا القلق الشعبي في إسرائيل تجلى في مظاهرات يوم الثلاثاء في تل أبيب لرفض تعليق اتفاق وقف إطلاق النار أو تجميد صفقة تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس".
وتحدثت تقارير عبرية عن تأثير الأزمة الحالية على اتفاقية السلام بين البلدين، وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن مسؤولين مصريين أوضحوا لإدارة ترامب أن اتفاق السلام مع إسرائيل، "معرض للخطر".
ونقلت عن أحد المسؤولين المصريين قوله إن هذه الرسالة "وصلت إلى البنتاغون، ووزارة الخارجية، وأعضاء الكونغرس الأمريكي". ونقلت عن مسؤول مصري ثانٍ قوله إن الرسالة وصلت أيضا إلى إسرائيل وحلفائها في أوروبا، ومنهم بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
وقال هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب: "بدأت مصر تستعد بالفعل للحظة إلغاء، أو على الأقل تعليق، العمل باتفاقية السلام مع إسرائيل، وهناك جيش كامل في سيناء الآن".
وأضاف أن "التحركات المصرية بدأت بزيادة عدد الجنود في سيناء، ونقل أسلحة ثقيلة إليها، وهو ما أثار قلق الإسرائيليين بصورة كبيرة"، على حد وصفه.
وتابع بالقول إن "المخططات الأمريكية الإسرائيلية لن تقف عند حدود غزة".
ويرى الجمل أن هناك أطماعاً أمريكية في المنطقة، مضيفا في تصريحاته لبي بي سي: "يبدو أن طموح ترامب في المنطقة يمتد إلى البحر المتوسط، وقد تكون سيناء مستقبلاً على أجندته، باعتبارها الأكبر مساحة، والأكثر شهرة في عالم السياحة، وما تنعم به من ثروات طبيعية".
وكان المحلل الإسرائيلي ياكوف بيلان، وهو باحث مشارك في مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، قد تساءل عن أسباب "استمرار مصر في زيادة قواتها العسكرية في سيناء".
وقال في تحليل نشره على موقع "جويش نيوز سنديكيت"، إن إسرائيل "وافقت على أن تقوم مصر بإدخال قوات إلى سيناء لمكافحة الإرهاب، لكن اليوم نواجه تشكيلات لقوات عسكرية ضخمة مستعدة للمعركة".
وأضاف أن مصر "أنشأت ثلاثة مطارات؛ واحد منها على الأقل مخصص للطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى تخزين احتياطيات ضخمة من الوقود".
وكشف أيضا عن تشييد مصر "أنفاق تخزين كبيرة في سيناء، للتخزين الاستراتيجي للمعدات العسكرية، ومعابر وأنفاق تمكن التشكيلات العسكرية الكبيرة من الوصول إلى سيناء خلال ساعات قليلة" على حد قوله.
إلى ذلك، يرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية (غير حكومي)، وزير الخارجية الأسبق، محمد العرابي، أن لهجة القاهرة كانت "أكثر حزما هذه المرة لأن الهجمة شرسة وتحتاج قدرا من تحديد المواقف أكثر من أي وقت مضى".
ولفت العرابي إلى أن "المواقف المصرية تكشف عن مواقف ثابتة وتاريخية وتؤكد أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء محاولة تصفية القضية الفلسطينية".
وقلل من أهمية تصريحات نتنياهو التي هاجم فيها مصر ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية قائلا: "تم دحضها ولا نتوقف أمامها كثيرا"، مستدركا: "لكن نريد أن نركز أكثر على حشد كل الجهود العربية والإسلامية والدولية ضد المخططات الحالية".
وفي 7 فبراير/شباط الجاري، دعا نتنياهو، إلى بناء دولة فلسطينية بالسعودية، وفي اليوم التالي أدانت الخارجية المصرية تلك التصريحات معتبرة إياها "غير مسؤولة مرفوضة"، مؤكدة أن "المملكة واحترام سيادتها هو خط أحمر لن تسمح مصر بالمساس به".
وباليوم ذاته، نقلت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية عن مسؤولين مصريين لم تكشف هويتهم أن "القاهرة أوضحت لإدارة ترامب وإسرائيل أنها ستقاوم أي اقتراح من هذا القبيل، وأن اتفاق السلام مع إسرائيل الذي استمر لمدة نصف قرن تقريبا "معرض للخطر".
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية بثتها ليلة السبت- الأحد، زعم نتنياهو إن قطاع غزة عبارة عن "سجن مفتوح"، مع منع مصر سكانه من المغادرة طوعا، ورفضت الخارجية المصرية تصريحاته، معبرة عن "رفضها التام لأية تصريحات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر أو الاردن أو السعودية.
وقال أستاذ العلاقات الدوليّة، والمتخصص في الشؤون الإسرائيليّة والفلسطينية، طارق فهمي، إن "تحركات القاهرة لا تزال في إطار دبلوماسي رصين وهي حريصة على ذلك وتتعامل بشكل جاد مع ما يطرحه ترامب".
وأشار إلى أن "تصريحات نتنياهو منفلتة وستزيد من التوتر كلما تشددت مصر في ملف غزة ورفض التهجير دون أي تراجع أو انسحاب أو تجميد مصري جزئي أو كلي لاتفاقية كامب ديفيد".
وفي 26 مارس/ آذار 1979، وقعت مصر وإسرائيل في واشنطن معاهدة سلام بين البلدين، في أعقاب اتفاقية "كامب ديفيد" بين الجانبين عام 1978، وأبرز بنودها وقف حالة الحرب، وتطبيع العلاقات، وسحب إسرائيل الكامل لقواتها المسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء، وإبقاء المنطقة منزوعة السلاح.
فيما رأى رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية الخبير الاستراتيجي والعسكري سمير راغب، أن "مواقف مصر المتوالية توصل رسالة واضحة بأنه لن يحدث تهجير ولا أي قوة ستجبرها على ذلك حتى لو تكررت التصريحات الأمريكية أو الإسرائيلية".
وأضاف أن "موقف القاهرة كان مبكرا بحديث الرئيس المصري مع بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتأكيده أن التهجير خط أحمر، وتكراره ذلك في لقاءات دولية ثانية ومتعددة الأطراف ومع تصريح ترامب جدد القول بأن التهجير ظلم لن تشارك فيه مصر".
ولفت راغب إلى أن "تصريحات نتنياهو مقصودة للتأثير على العلاقات مع مصر ومعاهدة السلام، للانشغال عن الأزمة الداخلية التي يواجهها محاولا استثمار خطط ترامب".
واستبعد أن يقود التوتر بين مصر وإسرائيل إلى حرب أو إلى المساس باتفاقية السلام.
بالمقابل يرى الأكاديمي المصري المختص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، أن "التصعيد بين مصر وإسرائيل حاليا غير مسبوق وجعل كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها الحلول الخشنة دون استبعاد التلويح بتجميد اتفاقية السلام وستكون إسرائيل المنهكة بعد 7 أكتوبر 2023 الأكثر تضررا من ذلك"
ولفت إلى أن نتنياهو يهرب من أزماته الداخلية بتلك التصريحات ضد مصر، مستغلا تصريحات ترامب.
وفيما أبدى وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي تحفظه عن ذكر تفاصيل عن "الأوراق العديدة"، التي تملكها مصر لمواجهة "هجمة" تلك التصريحات، أشار في الوقت نفسه إلى "جبهة رفض عربية ودولية تشكلها القاهرة من الوارد أن تنجح في إثناء ترامب عن مقترحه رغم أنه عنيد، وسط بدائل أخرى ليس من بينها حاليا المساس باتفاقية السلام مع إسرائيل".
وأضاف: "مصر دولة سلام وتتحرك بإجراءات مسؤولة من بينها زيارة وزير الخارجية أو عقد قمة عربية طارئة ولديها أوراق أخرى لوقف هذا المخطط".
ومن هذه الخيارات، وفق تقدير خبير الشؤون الإسرائيليّة والفلسطينية طارق فهمي الاشتباك مع الداخل الأمريكي مباشرة بزيارة وزير الخارجية لنقل رسالة للإدارة الأمريكية بشأن ضوابط العلاقة، فضلا عن التوجه لعقد قمة عربية طارئة وإجراءات اتصالات مع أطراف إقليمية في إطار الضغوط على إسرائيل وإثناء ترامب عن موقفه.
وذكر فهمي أنه من المبكر الحديث عن "ماذا سيجرى إذا لم تتفهم إسرائيل والإدارة الأمريكية رسائل الرفض".
وأضاف أنه يعتقد أن الولايات المتحدة "ليست ترامب فقط وهناك مؤسسات وأجهزة، والقاهرة تحظى بمكانة لديهم، والإدارة الجمهورية بخلاف الديمقراطية غير معادية لمصر".
وستكون القمة العربية الطارئة بالقاهرة أحد الخيارات لتوصيل الرسالة أكثر، بخلاف تحركات مصر لعقد مؤتمر لإعمار غزة وتمسكها أن يتم ذلك دون إخراج الفلسطينيين منه، وفق الخبير الاستراتيجي والعسكري سمير راغب.
ورأى راغب أن "العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، ستستمر وسيتم منح مصر المعونة والدعم العسكري، وأي حديث بخلاف ذلك لا يتجاوز كونه إعلاميا فقط".
فيما أشار المختص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إلى أن الموقف الأمريكي يحمل مؤشرات للتراجع وليس ثابتا كالموقف المصري والعربي.
وتابع: "لكن أخشى من ابتزاز اقتصادي ومزيد من الضغوط على القاهرة".
ولفت إلى أن استمرار القاهرة على موقفها هو "الخيار الأقرب وهذا قد يدفع واشنطن للتراجع والضغط على نتنياهو لعدم مواصلة استفزازاته لمصر والتأثير على اتفاقية السلام سلبا".