بحيرة الرزازة وفرصة الاستثمار.. تاريخ من التخريب السياحي وعدم الاهتمام
انفوبلس/ تقارير
كان الصيادون يتكلمون بألم كبيرعن أيام الرزازة الماضية، فيصفونها بذاكرة المدينة الجميلة، وشاطئها الذي طالما غسل به أبناؤها قلوبهم مما علق به من هموم، هناك حيث كان السوّاح العراقيون يتوافدون إليها من جميع المحافظات ليحظوا بجلسة يختلط فيها سحر الماء وأضواء النهار، حيث الأفق الممدود باتجاه السماء، أو ذلك الغروب ومشهد الشمس وهي تتوضأ بالمياه الطاهرة قبل أن تمتنع عن الشروق مجددًا جرّاء جفاف المياه واحتضار ثاني بحيرات العراق عطشاً.
-
بحيرة الرزازة
*جفاف ثاني أكبر بحيرة في العراق
الرزازة ثانية كبريات البحيرات في العراق، وتقع بين محافظتي الأنبار وكربلاء، وتستمد مياهها من نهر الفرات، وتُقدّر مساحتها بحوالي 1800 كلم مربع، إلا إن تلك المياه سئمت من واقعها واندثرت بأعماق البحيرة التي ما عادت تُغرق قشّة.
*إهمال وارتفاع مستوى الملوحة
يتحدث الصيادون بحرقة كبيرة عن ارتفاع مستوى تركيز ملوحة المياه في هذه البحيرة، والذي جعل موت الأسماك أمراً طبيعياً، حتى أن البحيرة لا يوجد فيها الآن سوى سمك (الشانك) الذي يتميز بقدرته على الحياة في المياه المالحة، فيما كانت الحماسة تتصاعد بين الصيادين بخصوص مشاكل الرزازة، استحضر مواطنون مشاهد كبيرة بذاكرتهم عن الشواطئ وهي تتلاطم بالموج الهائل فتهزّ زوارق الصيادين التي تمرّ من هنا أو هناك بحثا عن الأسماك المتنوّعة والوفيرة، إلا إن المفاجأة هشّمت كل تلك المشاهد من ذاكرتهم عندما عاودوا النظر إلى البحيرة من جديد وكيف أنها شبه خالية من المياه مقارنة بالماضي فلا وجود سوى لصيادين قلّة، يتحدثون عن اتفاقات سرية تدور بين القائمين على تزويد البحيرة بالمياه وأصحاب مقالع الرمل خدمة لمصالح خاصة بالإضافة الى تلوث كيمياوي أصابها بفعل النظام السابق على حدّ قولهم.
-
جفاف بحيرة الرزازة
*موت الأسماك
تؤكد جمعية الصيادين في كربلاء المقدسة، بأن الرزازة قد تركزت ملوحتها بنسبة كبيرة جدا إذ أصبحت تلك الملوحة تزداد شيئا فشيئا بعد انقطاع الماء عنها لدرجة أن الأنواع الكثيرة من الأسماك التي كانت البحيرة تشتهر بها ماتت كونها لا تحصل على المياه الغزيرة والأعماق المناسبة التي تمدّها بالغذاء، علما أن الرزازة كانت تتمتع بتلك الأعماق التي تقلل من تراكيز الملوحة وتوفر فرصة كبيرة لنمو أسماك ونباتات مائية كثيرة.
وتشير الجمعية إلى أن البحيرة لا يعيش فيها الآن سوى سمك (الشانك) بعد أن انقرضت كل الانواع الاخرى، كما أن النبات الذي يعيش هناك تغير لدرجة أن الشانك الموجود في الرزازة يعيش من خلال أكله لنفسه إذ تقوم الكبيرة أو القوية بأكل الضعيفة أو الصغيرة ولا توجد نباتات تستطيع تلك الأسماك أن تقتات عليها.
-
بحيرة الرزازة وفرصة الاستثمار.. تاريخ من التخريب السياحي وعدم الاهتمام
وتُضيف، أن البحيرة تزوَّد بالماء عبر منطقة المجر التي تفصل بحيرتي الرزازة والحبانية، ويتدفق الماء إليها من خلال نهر صغير لا يتدفق الماء عبره سوى أقل من خمسة عشر يوما يستطيع إبّانها الصيادون أن يعملوا بشكل جيد حيث تُبحر الزوارق بشكل مريح، ففي هذه الفترة يقل ارتطامها بقاع البحيرة، كما يقل تأثير الكاربون على محركاتها بفعل الملوحة العالية إذ طالما تتوقف بسبب صَدَئها وذلك لتركيز الملوحة المذكورة.
*شُحّ المياه
في عام 2022، حذّرت وزارة الموارد المائية من تعرض البحيرة إلى خطر الجفاف، عازيةً عدم قدرتها على رفدها بالحصص المائية الكافية بسبب الشح والجفاف الذي تُعانيه البلاد.
الوزارة أكدت، أن بحيرة الرزازة بدأت تعاني من الجفاف وتزداد ملوحة مياهها، ما تسبّب بنفوق أعداد كبيرة من أسماكها، مبينة أن تغذيتها بالمياه سابقاً كانت لا تتم إلا في حالة فيضان نهر الفرات أو في حال ارتفاع مناسيب بحيرة الحبانية بشكل كبير خلال موسم الوفرة المائية.
*زوارق مفقودة وتُرب تتخلّلها أملاح
عندما تحاول الدوران على اطراف هذه البحيرة سابقا كان بإمكانك أن تجد الزوارق على كل شواطئها، إذ يمتلك كل الصيادين مناطق محددة توارثوها من آبائهم وأجدادهم، تمثل موطئ قدم لهم تصل اكبرها إلى 1000 متر مربع ينطلقون منها الى اعماق الرزازة للصيد ويعودون حيث يستقرون على الشاطئ الذي تجتمع عليه الزوارق وتقف قربه السيارات ووسائل الحفاظ على الاسماك كالمجمدات وما الى ذلك، لكن الآن تحولت تلك المشاهد إلى بحيرة من التربة المالحة لا المياه، تطوف حولها "الكلاب" لا الزوراق.
-
بحيرة الرزازة وفرصة الاستثمار.. تاريخ من التخريب السياحي وعدم الاهتمام
*مالحة أم عذبة؟
تردّدات في قرار عدّ البحيرة مالحة أم عذبة يعود الى اسباب كثيرة تكاد يكون اهمها أن مستوى الملوحة فيها مُحيّر، فهي اقل ملوحة من شط العرب واعلى من مستوى الملوحة في الانهار والمبازل، وهذا يعني ضرورة عدم ضخ مياه عذبة لها من الفرات فيما لو أردنا ان نجعلها مالحة أما إذا أردنا العكس فيمكن أن نغذّيها من الحبانية و المبازل، حينها يمكن ان تعمل الجهات المختصة على إعادة الاحياء التي يمكن ان تعيش في وسطها الملحي المناسب، اما الآن والبحيرة بوضعها المأساوي هذا، فمن الصعب ان تكون مياهها مناسبة للحياة ولهذا فإعادة حياتها تتوقف في البداية على القرار الذي يتوصل إليه المختصون بشأن جعلها مالحة او عذبة، وفق بيئة كربلاء.
*مشاريع زراعية كبيرة
وعن اختلاف الأثر البيئي واهميته فيما لو كانت البحيرة عذبة أو مالحة تحدّث مدير البيئة قائلا: من المؤكد ان القرار الذي يحدّد ما أن تكون عذبة او مالحة يتأثر بسياسة ادارة الموارد المائية في العراق ولكن أن تكون البحيرة بمياه عذبة بالطبع افضل، إذ يمكن ان تعمل على انشاء مشاريع زراعية كبيرة على هذه البحيرة باتجاه الصحراء التي تحيط بها من الجهة الغربية والجنوبية ولكن مثل هذا الخيار صعب جدا لما معروف من شُحّ في المياه الداخلة الى العراق في هذا الوقت.
-
بحيرة الرزازة وفرصة الاستثمار.. تاريخ من التخريب السياحي وعدم الاهتمام
*إهمال حكومي
يمكن رؤية القوارب والأسماك الميتة وهي تنجرف إلى الشاطئ على ضفاف النهر الجاف، حيث تجفّ البحيرة بسبب قلّة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وسط إهمال حكومي مُقلق.
أحد الصيادين ويدعى أبو علي، يقول: إن زعماء سياسيين زاروهم واعترفوا بجفاف البحيرة، "لكن دون أي إجراء".
وأكد خبراء بيئيون أن بحيرة الرزازة بدأت تعاني من الجفاف وملوحة مياهها، بسبب نقص حصص المياه من الدول المجاورة، وسرقة كميات من المياه التي تغذيها، مما أدى إلى نفوق عدد كبير من الأسماك.
من جانبه، قال المختص بشؤون البيئة حامد الهلالي إن "البحيرة ميتة إكلينيكياً".
وأضاف، إن "الرزازة مستنقع راكد ويزداد يوما بعد يوم، على الدولة أن تعتبر أنها بيئة عراقية، ومن الممكن تحويل الدولة إلى مكان صحراوي ومكان غير صالح للسكن، وتتحمل الدولة مسؤولية حفظ البحيرة على قيد الحياة، لذلك يجب أن تكون هناك علاجات فورية وسريعة وفورية".
يُشار إلى أنه وخلال حقبة الثمانينيات، كانت بحيرة الرزازة نقطة جذب سياحي معروفة بمناظرها الطبيعية الجميلة ووفرة أنواع الأسماك، والتي كان السكان المحليون يعتمدون عليها في معيشتهم.
*حكومة السوداني واستثمار البحيرة
بعد عقود من الإهمال الحكومي والتخريب السياحي للبحيرة، كشفت الهيئة الوطنية للاستثمار، اليوم الأربعاء، عن توجُّه لإعادة تفعيل استثمار بحيرة الرزازة بهدف بناء مدينة متكاملة الخدمات.
وقال رئيس الهيئة حيدر محمد مكية في بيان، إن الهيئة والحكومة المحلية في محافظة كربلاء المقدسة، حريصة على إدامة التعاون البنّاء والمُثمر والذي ينعكس إيجابيا على التنمية الاقتصادية التي تشهدها المحافظة كونها مركزا دينيا كبيرا.
وأضاف، "نعمل في الهيئة وفق استراتيجية الاستثمار المُستدام المبني على فكر استراتيجي مدروس مستند إلى تخطيط وتصميم وإدارة متكاملة للجيل الحالي والقادم". مؤكدا أنه "سيتم إعادة تفعيل استثمار بحيرة الرزازة لبناء مدينة حضرية متكاملة الخدمات تُقدِّم خدماتها للسائحين والمواطن العراقي".
*دور محافظ كربلاء نصيف الخطابي
من جانبه ذكر محافظ كربلاء نصيف الخطابي، وفقا لبيان الهيئة الوطنية للاستثمار، أن "المحافظة جاذبة للاستثمار، نتيجة موقعها الديني والتجاري". مبينا أن "عشرات الطلبات من الخارج للدخول بالعملية الاستثمارية في المحافظة".
ولفت إلى أن "المشاريع الاستثمارية في المحافظة وفّرت آلاف فرص العمل للشباب من أبناء المحافظة ما أسهم في تحسين الواقع المعاشي والاقتصادي للمحافظة".
وتابع، أن "المحافظة، لديها أكثر من 22 مُجمّعا سكنيا بأسعار مختلفة، فضلا عن قُدرة القطاع الزراعي على إنتاج ملياري بيضة مائدة في السنة".