اعترف بـ"خمط" مناصب ولا يعرف عمر الدولة العراقية!.. تصريحات المشهداني تفضحه أمام الرأي العام
انفوبلس/ تقرير
في مشهد يعكس تصاعد السجالات السياسية مع اقتراب الانتخابات التشريعية، أثار النائب ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني موجة واسعة من الجدل بعد ظهوره في مقابلة تلفزيونية أطلق خلالها سلسلة من التصريحات، بعضها وُصف بأنه "مضلل" أو "خارج السياق"، شملت الاقتصاد والسياسة والتاريخ وحتى البروتوكولات الدبلوماسية.
ظهر المشهداني بنبرةٍ واثقة من الفوز في الانتخابات المقبلة، مشيرًا إلى أنه "خمط" امتيازات لصالح المكون السني خلال فترة توليه رئاسة البرلمان، من بينها تمرير قانون العفو العام، وحصة من مناصب السفراء، ومكاسب أخرى اعتبرها "إنجازات سياسية". كلمة "خمط" باللهجة العراقية تعني "أخذ الشيء بسرعة أو الاستيلاء عليه خلسةً"، وقد أثارت استخداماتها في حديث سياسي رفيع المستوى موجة انتقادات وسخرية في الأوساط العامة.
لكن ما جعل المقابلة مثار اهتمام واسع، هو أن العديد من تصريحات المشهداني تضمنت معلومات خاطئة أو مضللة بحسب مراجعات متخصصة، الأمر الذي فتح بابًا واسعًا للتحقق من دقة أقواله وتوضيح حقائقها العلمية والتاريخية.
ومن أبرز ما قاله المشهداني خلال اللقاء، مستدلاً على أنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه العراق تستند إلى مطامع اقتصادية: "سيليكون العراق النقاوة مالته 72% بينما السيليكون الأميركي 33%". لكن التصريح مضلل، إذ أن نقاوة سيليكون #العراق تقدر بـ 98%، في حين تعتمد الصناعات الإلكترونية في الولايات المتحدة الأميركية على ما يعرف بـ "السيليكون الشمسي" أو الإلكتروني والذي تتخطى نقاوته 99.9%.
وتشير الدراسات الأكاديمية إلى أن الرمال العراقية تحتوي على نسبة عالية من السيليكا (SiO₂) تصل إلى نحو 98% كمادة أولية، وقد نجحت التجارب المختبرية في إنتاج سيليكون معدني بنقاوة تصل إلى 99.3% من هذه الخامات المحلية بعد عمليات اختزال وتنقية خاصة.
لكن هذه النسبة تظل أدنى من النسبة المطلوبة في سوق الصناعات الإلكترونية، والتي تتطلب نقاوة أعلى بكثير تفوق 99.9999%، أما النسبة التي تحدث عنها المشهداني (72%) فهي منخفضة جدًا ولا تناسب أي استخدام صناعي أو إلكتروني عالي المستوى.
كما أنّ الصناعات المتقدمة في الولايات المتحدة تعتمد على سيليكون شمسي أو إلكتروني بنقاوة عالية جدًا (تتخطى 99.99%) من خلال عمليات تنقية صناعية معقدة، بينما لا يوجد أي دليل بحثي منشور يشير إلى إنتاج سيليكون منخفض النقاء.
واستنادًا إلى هذه المعلومات نجد أنّ التصريح مضلل، وهو يخلط بين نسبة السيليكا في الرمال العراقية، ونسبة نقاء السيليكا المطلوبة للتطبيقات الصناعية الإلكترونية، ويتجاهل أن كل الصناعات العالمية الكبرى تتطلب مستويات نقاء أعلى بكثير من الأرقام المذكورة.
أغنى محافظات العراق.. بلا سند علمي
كما قال المشهداني، "طبعًا أغنى محافظة بالعراق هي الأنبار..، وثاني أغنى محافظة هي السماوة". وبالبحث والمراجعة نجد أنّ هذا التصنيف لا يستند إلى دراسات أو بيانات موثوقة من مراكز عالمية أو اقتصادية مرموقة مثل البنك الدولي أو مؤسسة راند أو غيرها من المراكز الاقتصادية العالمية.
كما أنّ الدراسات والبحوث الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي العراقية والتي تنشر عبر مجلة الجيولوجيا والتعدين العراقية، لا تصنف الأنبار بوصفها أغنى محافظات العراق، بل تشير إلى توزع الثروات المعدنية بنوعيها (الفلزية واللافلزية) على مناطق واسعة من العراق لا تقتصر على الأجزاء الغربية. وتتواجد المعادن الفلزية بشكل رئيسي في شمال العراق، خاصة في إقليم كردستان، وتشمل هذه المعادن الزنك والرصاص والنحاس والكروم والنيكل والحديد والمنغنيز، كما تُعتبر منطقة Penjween-Walash في شمال شرق العراق من المناطق المعدنية الهامة، حيث توجد معادن مثل النحاس والحديد والزنك.
في حين يوجد الكبريت الحر بشكل رئيسي في محافظتي نينوى وصلاح الدين، وهو يُستخدم في صناعات متعددة مثل إنتاج الحمض الكبريتي، وتتواجد احتياطيات فوسفاتية هائلة في محافظة الأنبار، حيث تُعتبر من أكبر الاحتياطيات في العالم.
"خمطت 23 سفيراً"
قال المشهداني أيضًا: قائمة السفراء "تخص الدولة وآني أي شي يفيد الدولة أجازف وأمشي.. دول قالت إحنا ندز سفراء وأنتم تدزون قائمين بالأعمال، فراح نسحب سفراءنا".
جاء حديث المشهداني هنا بعد أنّ أقر بـ"خمط" حصة من مناصب السفراء للمكون السني (خمطت 23 سفيراً للسنة)، وهو تعبير باللهجة العراقية يعني الاستيلاء على شيء بحركة خاطفة، وتضمن تبريرًا مضللاً يوحي بأنّ تمرير قائمة السفراء كان لابد منه لتجنب أزمة دبلوماسية مع دول العالم.
وتسمح اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) صراحة بوجود قائم أعمال كممثل دبلوماسي رسمي، باعتبارها رتبة دبلوماسية معترف بها دوليًا، ولم يسبق أنّ اتخذت دولة ما خطوة سحب سفير احتجاجًا على تمثيل البعثة الدبلوماسية للدولة المقابلة بقائم بالأعمال.
وتحدث مثل هذه الاحتجاجات الدبلوماسية في حالات محددة يمكن الإشارة إلى أمثلة منها: خلافات سياسية جوهرية، أزمات أمنية (حروب، انقلابات، تهديدات مباشرة)، انتهاكات خطيرة (احتلال، إبادة، عدوان)، أسباب شخصية (سوء سلوك دبلوماسي).
وبالمقابل، نجد أنّ دولاً بارزة تمثل بعثاتها من خلال قائمين بالأعمال دون أن تواجه أي اعتراضات أو احتجاجات، كما في حالة بولندا التي سحبت في العام الماضي أكثر من 50 سفيرًا لأسباب سياسية داخلية، واستبدلتهم بقائمين بالأعمال مؤقتًا، ولم تسحب الدول المستقبلة سفراءها بالمثل، وهو ما ينطبق أيضًا على الولايات المتحدة التي يمثلها عشرات المبعوثين بمستوى "قائم بالأعمال" لتعويض مناصب سفراء شاغرة.
"عمر الدولة العراقية 7 آلاف سنة".. خلط بين الجغرافيا والتاريخ
وأيضاً قال المشهداني، "عمر الدولة العراقية 7 آلاف سنة". لكن التصريح غير دقيق وهو يخلط بين عمر الدولة العراقية، وبين تاريخ وجود العراق كأرض. ويمتد وجود العراق إلى آلاف السنين من الحضارات المتتالية، بينما يعود عمر "الدولة العراقية الحديثة" إلى عام 1921، أي حوالي 104 عام فقط.
وفي 23 آب/أغسطس الماضي، مر 104 أعوام على تأسيس الدولة العراقية وبداية العهد الملكي حين توج الملك فيصل الأول على عرش العراق في عام 1921. وهذا التاريخ يعتبر بداية دولة العراق الحديثة. أما تاريخ العراق كأرض ووجود فهو يمتد إلى أكثر من 7 آلاف سنة، إذ ظهرت "بلاد ما بين النهرين"، وبدأ فجر الحضارة في العراق بحدود سنة 5000 قبل الميلاد.
منصب رئيس البرلمان التركي
قال المشهداني، "في تركيا رئيس البرلمان أقل حتى من درجة الوزير، والبروتوكول مالتهم أنه هم البرلمان عدهم أقل درجة". التصريح خاطئ، إذ أن منصب رئيس البرلمان التركي ويعد أحد أعلى السلطات في الدولة، وفقًا للدستور.
أما برتوكوليًا فإن رئيس البرلمان يأتي بالدرجة الثانية بعد رئيس الوزراء، وهو ما يعني أن رئيس البرلمان أعلى من الوزير من حيث المكانة الدستورية والبروتوكولية. وينص دستور الجمهورية التركية (1982) ، المعدل في عام 2017، على أنّ رئيس البرلمان التركي، هو أحد أعلى ثلاث سلطات في الدولة، إلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء قبل إلغاء المنصب في النظام الرئاسي.
وبعد التحول إلى النظام الرئاسي عام 2018، أصبح رئيس البرلمان يحتل المرتبة الثانية دستوريًا بعد رئيس الجمهورية. ويتولى رئيس مجلس النواب مهام تشغيلية وإدارية تشمل الإشراف على إدارة المجلس وأجهزته واتخاذ القرارات اللازمة، وعلى الرغم من أن الدستور المعدل عزز من صلاحيات الرئيس التنفيذي، إلا أنّه أعطى صلاحيات جديدة للبرلمان تشمل مراقبة أداء الرئيس ومحاسبته، وكذلك إشراف البرلمان على المراسيم الرئاسية.
أما برتوكوليًا فإن رئيس البرلمان يأتي في المرتبة الأولى، ورئيس الوزراء في المرتبة الثانية، ورئيس الأركان العامة في المرتبة الثالثة، ثم رئيس حزب المعارضة الرئيسي في المرتبة الرابعة، يليه الرؤساء السابقون في المرتبة الخامسة. ك
كما أنّ رئيس البرلمان التركي يُعتبر ثاني أهم منصب رسمي بعد الرئيس في الدولة من حيث البروتوكول، خاصة في حالات الاستقبال الرسمي والفعاليات البرلمانية، لكن النظام الرئاسي التركي شهد إلغاء منصب رئيس الوزراء، مما جعل رئيس البرلمان يتقدم في ترتيب البروتوكول على الوزراء جميعًا.
وجاء تصريح المشهداني هذا في سياق تبرير حضوره في اجتماع ضم قيادات سياسية سنية ونواب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخل مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، دون أن يُرفع علم العراق، أو تُراعى البروتوكولات الرسمية، خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا في تموز/يوليو الماضي.
وسلطت تصريحات المشهداني الضوء مجددًا على أزمة "المعلومات المضللة" في الخطاب السياسي العراقي، وعلى الحاجة إلى تعزيز ثقافة التحقق من الحقائق (Fact-checking) في الإعلام والبرلمان على حد سواء.
وفيما تتجه البلاد نحو انتخابات جديدة، تبدو دقة المعلومات ومصداقية الخطاب أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصًا في ظل منافسة سياسية متوترة وصراع على تمثيل المكونات داخل السلطة التشريعية المقبلة.
