لم يفعلها مسؤول من قبل.. تعيين أبناء وأحفاد وأقارب المشهداني في مناصب هامة بالدولة.. بدأت بالوقف السني ودائرة البرلمان الإدارية
انفوبلس..
يبدو أن عقلية استغلال النفوذ السياسي لتعيين الأبناء والأقارب في الدولة لا تزال بذروتها وخصوصاً في أرفع المناصب، وهو الأمر الذي أقدم عليه رئيس مجلس النواب محمد المشهداني الذي لم يتوقف الأمر عند تعيين أبنائه لكنه تجاوز ذلك إلى أحفاده وأقاربه في مناصب مهمة ورفيعة في الدولة العراقية.
ويوم أمس كشف مصدر مطلع عن استمرار رئيس مجلس النواب في استغلال نفوذه السياسي لترسيخ وجود عائلته في مناصب حكومية رفيعة، في خطوة تثير جدلاً واسعاً حول الشفافية والنزاهة في مؤسسات الدولة.
ووفقاً للمصدر، فإن "عبد الباسط محمود المشهداني، نجل رئيس البرلمان، تم تعيينه مديرًا عامًا للوقف السني، بعد تدخل مباشر من والده وممارسة ضغوط كبيرة لضمان تمرير تعيينه".
وأضاف، إن "رئيس البرلمان لم يكتفِ بذلك، بل يسعى أيضًا إلى تعيين نجله الآخر، زين العابدين، مديرًا لمكتبه، إلا أن هذا التوجه واجه اعتراضاً من رئيس تحالف تقدم، محمد الحلبوسي، الذي قدم مرشحًا بديلاً لهذا المنصب".
وأشار إلى أنه "رغم الاعتراض، تم تعيين زين العابدين مديرًا عامًا للإدارية في مجلس النواب، مما أثار علامات استفهام حول الأسس والمعايير التي يتم اعتمادها في منح هذه المناصب الحساسة".
وتابع المصدر، أن "المخططات لا تتوقف عند هذا الحد، بل يخطط رئيس البرلمان لتعيين أفراد آخرين من عائلته، بمن فيهم أحفاده، في مواقع قيادية داخل مؤسسات الدولة، مما يعكس توجهًا واضحًا نحو تعزيز السيطرة العائلية على المناصب الحكومية".
وأعرب المصدر عن استنكاره لهذا النهج، داعياً إلى "ضرورة وضع حد للمحسوبية واستغلال النفوذ السياسي لضمان العدالة وتكافؤ الفرص في التعيينات الحكومية".
يذكر أنه في الثالث عشر من تشرين الثاني الماضي، تم تسريب مقطع صوتي لزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر يهاجم فيه نجل رئيس البرلمان محمود المشهداني ويتهمه خلاله بالفساد.
ووفق التسريب، فإن محادثة الخنجر كانت مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حيث طلب منه عدم إسناد منصب رئيس قسم الاستثمار في ديوان الوقف السني إلى عبد الباسط المشهداني.
وقال الخنجر في التسجيل، "دولة الرئيس لم أرد التحدث معك عن هذا الموضوع لأنه ليس في وقته، لكن أنا تحدثت معك مرتين أو ثلاث مرات عن الأوقاف، ولمحت لك عن وجود عمل على الأملاك، وأنا أوقفت الهدر ومنعت حصول أي شيء من خلال دكتور صديق الموجود حالياً على الاستثمار".
وأضاف: "سمعت عن وجود تحرك من أجل عبد الباسط ابن محمود، وإذا أتى هذا الشخص، فهذا يعني سوف تكون هناك فضيحة لا مثيل لها، وفي حال استلام هذا الشخص الاستثمار، فأنا مضطر إلى إصدار بيان بأنني ليست لي علاقة وأرفع يدي، وأنا لا أريد التدخل في موضوع الوقف، لكي أبين للجمهور، لأني أعلم ماذا سيحصل، ستحصل سرقات لا يعلم بها إلا الله، وستكون فضيحة مدوية، وأعلم من الآن ما هي اتفاقاتهم، وهذه كارثة، لذلك أرجوك أن توقف هذا الموضوع".
تاريخ المشهداني
ويُعد المشهداني واحداً من الشخصيات المخضرمة في العملية السياسية العراقية، ويبدو أنه يستغل ذلك لترسيخ عائلته فيها، فمن معتقلات صدام إلى رئاسة البرلمان، هكذا انتقل المسار السياسي لمحمود المشهداني عام 2003، عضو الهيئة العليا للدعوة والإرشاد والفتوى، والعضو المؤسس في مجلس الحوار، رشحته (جبهة التوافق العراقية) لتولي منصب رئيس مجلس النواب العراقي.
عُرف عن المشهداني اطلاعه على خفايا العملية السياسية منذ عام 2003، إلا أنه لم يتمكن، حتى بعد خروجه من رئاسة البرلمان عام 2009، من التحول إلى رمز للمكون السني، ولم يتبوأ زعامة المكون السني في المعادلة السياسية.
محمود داود سلمان المشهداني، من مواليد عام 1948 في بغداد، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدينة الكاظمية التي كانت منطقة المشاهدة التي وُلد فيها تتبعها إدارياً، وتخرّج من كلية الطب بجامعة بغداد عام 1972 والتحق بالجيش العراقي برتبة ملازم، ثم تم إبعاده عن الجيش بسبب توجهاته الفكرية والسياسية، وحكمت عليه السلطات الصدامية عام 2000 بالسجن خمسة عشر عاماً.
ويعتبر محمود المشهداني، أول رئيس للبرلمان العراقي بعد الغزو الأميركي للبلاد، كان يتصدر عناوين الأخبار بعد توليه رئاسة البرلمان بين عامي 2006 و2009، وشهد البرلمان في عهده سجالا كبيرا بسبب إقالته، غير أنه عُرف بحس الفكاهة في بعض جلسات البرلمان ولقاءاته التلفزيونية.
وينحدر المشهداني من عائلة سنية من قبيلة المشاهدة المعروفة بالعراق، حيث بعد تخرجه في الثانوية التحق بكلية الطب بجامعة بغداد عام 1966 وتخرج فيها عام 1972 برتبة ملازم في الجيش العراقي، حيث كانت دراسته على نفقة وزارة الدفاع العراقية.
وبعد سنوات ترقى في الجيش ليصبح برتبة رائد، إلا أن مسيرته العسكرية لم تكتمل، حيث تعرض للاعتقال بين عام 1980 و1981 ومكث في السجن حتى انتهاء محكوميته بسبب انتماءاته الفكرية وقيادته لجمعية الموحدين التي كانت محظورة لارتباطها بالفكر السلفي.
وبعد استبعاده من السلك العسكري، عمل طبيباً في عيادته الخاصة ببغداد، إلا أنه تعرض للاعتقال مرة أخرى عام 2000 لانتمائه للفكر السلفي ومعارضته لنظام صدام حسين، حيث حُكم عليه بالسجن لـ15 عاما، إلا أن العفو الرئاسي عام 2002 شمله وأُطلق سراحه حينها قبل أشهر قليلة من الغزو الأميركي للبلاد.
لم يُعرف عن المشهداني أي نشاط سياسي واضح قبل الغزو الأميركي إلا من خلال عمليتي اعتقال في 1980 و2000، إلا أنه وبعد الغزو الأميركي عام 2003 دخل الحياة السياسية بقوة، حيث انتُخِب عضوا للجنة صياغة الدستور، ثم اتُهم بدعم ما كانت تسمى حينها بـ"المقاومة العراقية السُنية"؛ ما أدى لاعتقاله من قبل القوات الأميركية عام 2004، ولم تمضِ أشهر على إطلاق سراحه حتى اعتقلته وزارة الداخلية العراقية عام 2005 لذات التهمة.
عام 2006 كان مغايرا تماما في حياة المشهداني، حيث فاز بمقعد برلماني في أول انتخابات تشريعية بالبلاد، ثم انتدبته القوى السياسية السنية ليكون رئيسا للبرلمان العراقي بين 2006 و2009، كما انتُخب رئيسا للاتحاد البرلماني العربي عام 2008.
استمر في منصبه رئيسا للبرلمان العراقي حتى 23 كانون الأول 2008 عندما اضطر للاستقالة من منصبه على خلفية تهديدات بإقالته نتيجة لمشادات كلامية وتهجمه على بعض النواب، حيث إن استقالته جاءت بعد جمع كتل سياسية تواقيع 150 نائبا لإعفائه من المنصب، ورغم خروجه من المشهد البرلماني عام 2008، إلا أنه ظل حاضرا في كثير من الاجتماعات السياسية واللقاءات التلفزيونية.
يُعرف عن المشهداني علمه بخفايا العملية السياسية منذ عام 2003، إلا أنه لم يتمكن -حتى بعد خروجه من رئاسة البرلمان- من التحول إلى رمز سني ولم يتبوأ زعامة المكون في المعادلة السياسية، حيث لم يشكل أي كتلة سياسية أو حزب على غرار قادة سُنة أقل منه خبرة في العمل السياسي وأصغر سناً منه.
لم يوفَّق المشهداني في الوصول لقبة البرلمان بعد استقالته إلا بعد 13 عاما، حيث انتُخب نائبا عن محافظة بغداد في الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ولكونه أكبر النواب سناً، فإن الدستور العراقي ينص على توليه أول جلسة برلمانية تمهد لانتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب ونائبيه.
ففي 9 يناير 2022، وقعت مشادات عنيفة داخل البرلمان العراقي الذي عقد جلسته الأولى الأحد بعد الانتخابات النيابية، وسادت فوضى تعرض خلالها رئيس الجلسة "لاعتداء" نُقل على إثره الى المستشفى.
ويأتي ذلك على خلفية توتر سياسي قائم منذ الانتخابات التي تصدّر نتائجها التيار الصدري، فيما ندّدت كتل أخرى بهذه النتيجة، وانعكس التوتر على عملية تشكيل الحكومة تعثرت في البداية.
وكانت الجلسة التي ترأسها النائب الأكبر سنّاً محمود المشهداني (73 عاماً)، بدأت بقسم النواب الجدد اليمين. ثم فتح باب الترشح لرئاسة مجلس النواب التي يشغلها عُرفاً "سني"، قبل أن تندلع مشادات بين النواب وتسود الفوضى.
وقال أحد نواب البرلمان، إن "الجلسة بدأت بشكل طبيعي برئاسة رئيس السن، وتمت تأدية اليمين الدستوري". وأضاف "بعدها تقدم الإطار التنسيقي (بضمّ أحزاب شيعية بينها قوى موالية لإيران) بطلب تثبيت كونهم الكتلة الأكبر مشيرين الى أن كتلتهم مؤلفة من 88 نائباً. عندها طلب رئيس السن تدقيق هذه المعلومة، وحصلت مداخلات، وقام بعض النواب بالاعتداء عليه"، ونُقل المشهداني إلى المستشفى لحين استقرار حالته الصحية.
وفي آخر يوم من شهر تشرين الأول الماضي، انتخب مجلس النواب المشهداني رئيسا له بعد نحو عام من شغور المنصب إثر إنهاء عضوية محمد الحلبوسي وإقالته على خلفية إدانته بـ"التزوير".
وحصد المشهداني 182 صوتا مقابل 42 صوتا لمنافسه سالم العيساوي الذي تنافس معه على رئاسة مجلس النواب، واعتبرت 39 ورقة اقتراع باطلة خلال عملية التصويت.
وتعهد المشهداني فور انتخابه بالعمل كفريق متجانس لتشريع القوانين في البرلمان.