الصراع على الزعامة الدينية الإيزيدية.. فرصة الأحزاب الكردية لتمزيق أقليّة عراقية مضطهدة
إنفو بلس/..
بعد وفاة أحد أطول الأُمراء بقاءً بمنصبه في العراق والشرق الأوسط وربما في العالم، الذي استمر لنحو ثلاثة أرباع القرن أميراً للطائفة الإيزيدية، تحسين سعيد بك، الذي ناهز عمره السادسة والثمانين في ٢٨/١/٢٠١٩ والذي تولى منصبه كأمير عام 1944، بعد وفاة والده الأمير سعيد بك بن علي بيك، بدعم من جدته الأميرة ميان خاتون التي أصبحت وصيّةً عليه لحين بلوغه سنّ الرشد.
أحدث اختيار ابنه حازم تحسين بك أميراً للإيزيديّين انقساماً داخل المجتمع الإيزيديّ حول آليّة اختياره ومدى تمثيله لمختلف شرائح الإيزيديّين وطبقاتهم، فأعلن اثنان من الأمراء تنصيب أنفسهم كأمراء للإيزيديّة، الأوّل في سنجار، والثاني في ألمانيا، على نحو يهدّد بمزيد من تشظّي هويّة الأقليّة الإيزيديّة بعد الإبادة.
بدأت الانقسامات بمجرّد تنصيب الأمير الجديد للإيزيديّين، في 27 تمّوز 2019، في معبد لالش بشيخان، إذ سرعان ما أثار اختياره انقساماً داخل عائلة الأمير الراحل، ورفضاً من قبل النُّخب الشابّة التي اعترضت على طريقة اختياره وشكّكت بشرعيّتها، معلنةً أنّها خطوة لم تحترم إرادة الإيزيديّين، ولا تحظى بقبول عموم الشارع الإيزيديّ، ولم تحترم وصيّة الأمير الراحل تحسين بيك، الذي أوصى بأن يكون هذا التنصيب بموافقة الإيزيديّين.
نايف بن داود أميراً على سنجار
وفي تطوّر لافت، أعلن الأمير نايف بن داود نفسه أميراً على سنجار بمباركة رجال الدين ووجهاء العشائر والشخصيّات في مزار دينيّ بسنجار، وبحسب تحليل شخصيّة إيزيديّة نافذة في أربيل، فإنّ الخطوة تقف خلفها أحزاب كرديّة معارضة للحزب الحاكم في إربيل، فضلاً عن حزب العمال الكردستانيّ، في ظلّ صمت وموافقة ضمنيّة من بغداد.
ويرى ناشطون إيزيديّون، أنّ مصدر قوّة الأمير الجديد، أنّه من العائلة الأميريّة ويسكن في سنجار، وبذلك حظي باحترام نُخَبِها التقليديّة، وتنصيبه يُعدّ في هذا السياق ردّاً من السنجاريّين على تنصيب أمير من شيخان من دون استشارتهم، ومع ذلك، لا يمكن سوى أن نلاحظ أنّ اختياره تمّ أيضاً من قبل نُخب تقليديّة وبناءً على تأثيرات سياسيّة ومناطقيّة، ولم تتمّ استشارة الجيل الشاب الأصغر سنّاً.
ولم يكن الأمير الجديد، الأمير نايف داود يخفي طموحه في لعب دور بمستقبل الإيزيديّين، إذ سبق له أن أعلن مع حلفاء من المسيحيّين والتركمان فكرة إقليم خاص بالأقليّات، في 5 آذار من عام 2017، وقال خلال مقابلة "إنّ التحالف يُعدّ خطوة متقدّمة، في إطار الحلّ الدوليّ لتوفير حماية دوليّة للأقليّات في العراق، وعلى نحو إيجابيّ لرفع مستوى الحشد الشعبيّ لمكوّناتنا تجاه قضيّة عادلة ومشروعة طالما انتظرت حلاًّ مناسباً".
أمية معاوية أميراً ثالثاً
وفي تطوّر جديد، أعلن أمير ثالث تنصيب نفسه أميراً على الإيزيديّين خارج العراق، إذ أعلن الأمير "أمية معاوية" عن تنصيب نفسه أميراً للإيزيديّين في المهجر ببيان وجّهه إلى الإيزيديّين المقيمين في أوروبا والمهجر بـ9 آب من عام 2019، وجاء فيه: "أتحمّل المسؤوليّة التاريخيّة في إقامة الإمارة الإيزيديّة بالمهجر ومقرّها ألمانيا الاتحاديّة، وإدارة شؤون الجالية الإيزيديّة والعمل على لمّ شملها والتخفيف عن آلامها وأحزانها والوقوف بجانبها في ظروفها الصعبة".
وأضاف: إنّ التنصيب جاء "بعد سلسلة من الاجتماعات والاتصالات مع النُّخب المثقّفة والعامّة الإيزيديّة في ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبيّ، والذين اتّفقوا بالإجماع على تنصيبي أمير الإيزيديّة في المهجر".
وبرّر الأمير الجديد خطوته في السعي إلى توحيد الإيزيديّين بعد الإبادة في 3 آب من عام 2014، إذ قال البيان: "إنّ الإيزيديّين يمرّون في ظروف حرجة بعد الإبادة، كان لها أثر في إضعاف وحدتنا الإيزيديّة وشلّها وتفكّكها وما لحق بمجتمعاتنا من هجرات وأحزان وفقر".
صفحة جديدة من الصراع
يُضيف هذا التنافس على زعامة الإيزيديّين طبقة جديدة من الانقسام تهدّد مستقبل الأقليّة وقدرة زعاماتها على تحقيق رأي موحّد، وفضلاً عن الانقسام الجغرافيّ بين سنجار (منطقة الإبادة والتركّز الديموغرافيّ الأكبر للإيزيديّين) وشيخان (مقرّ المعبد الرئيسي للإيزيديّين والمجلس الروحانيّ ومقرّ الإمارة الرسميّ)، نتيجة وجود أميرين مستقلّين على كلّ منهما، فإنّ إعلان الأمير الجديد في ألمانيا يهدّد بمزيد من التمزّق، وهذه المرّة على مستوى إيزيديّي الداخل والخارج، لاسيّما أنّ الأمير الثالث مقيم في بلد أوروبيّ يضمّ أكبر تجمّع للإيزيديّين خارج العراق، إذ يتواجد فيه أكثر من 140 ألف إيزيديّ على حدّ تقدير ناشطين إيزيديّين.
يفتح تنافس الأمراء الثلاث صفحة جديدة من الصراع في تاريخ الأقليّة الإيزيديّة، مقترناً بمزيد من الأسئلة التي ستظلّ من دون جواب واضح، فمع وجود إمارتين للإيزيديّين: الأولى في شيخان والثانية في سنجار، فهل سيتّبع النازحون الإيزيديّون لدى عودتهم إلى سنجار أمير شيخان أم أمير سنجار، ومع بزوغ الإمارة الثالثة في ألمانيا، يبرز وضع جديد للأقليّة، راسماً أحد الخيارات الثلاث التالية للفرد الإيزيديّ: البقاء في إقليم كردستان، العودة إلى سنجار، والهجرة إلى ألمانيا.
تغلغل الحزبين الكرديين
تتبع سنجار أو "شنغال" كما يسمّيها الاكراد، إدارياً لمحافظة نينوى، ولكنها من بين الأراضي الأربع عشرة المتنازع عليها بغداد وإربيل، والتي لابدّ من تحديد وضعها استنادًا إلى المادة 140 من الدستور العراقي، فبعد سقوط النظام الصدامي في عام 2003، أرسل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" مقاتليهما إلى هذه الأراضي المتنازع عليها، بما فيها سنجار، لبسط السيطرة الفعلية، وبينما سيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على المناطق الممتدة من كركوك في الجنوب الشرقي باتجاه السليمانية، يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على المنطقة الممتدة من شمال كركوك حتى الحدود السورية، وعليه، أصبحت سنجار خاضعة لقوات البيشمركة التابعة لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحين هاجم أرهابيو داعش مدينة سنجار في العام 2014، انسحب الآلاف من قوات البيشمركة من دون مقاومة.
التأثير الكردي وفرض "حازم تحسين"
وبعد وفاة أمير الطائفة الإيزيدية، تحسين سعيد بك، وبروز الأسماء الثلاث المنقسمة لزعامة الإيزيديين بعده، أبدى عدد من المثقفين والشخصيات العشائرية الإيزيدية، اعتراضهم الشديد على تنصيب حازم تحسين بيك أميراً للديانة الإيزيدية في العراق والعالم.
وعبّرت عدد من الشخصيات عن خيبة أملهم من تنصيب حازم تحسين بيك أميرا للديانة خلفا لوالده من قبل المجلس الروحاني دون الرجوع لمبدأ الشورى واستشارة الشخصيات الدينية والعشائرية والسياسية بهذا الموضوع.
وأشارت شخصيات إيزيدية، إلى أن تأثير الحزب الديمقراطي الكردستاني كان واضحا على قرار المجلس الروحاني والكرد فرضوا حازم تحسين وذلك بسبب نفوذهم القوي في مناطق الإيزيدية وهذا لن يخدم قضية هذا المكوّن الذي ضاعت حقوقه نتيجة التشتّت بين مَن يؤيد التحالف مع الكرد وآخر يؤيد البقاء ضمن الحكومة الاتحادية". وتم في وقت سابق من اليوم، تنصيب حازم تحسين بيك أميرا للديانة الإيزيدية في العراق والعالم
مساعي كردية لكسر شوكتهم
يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني تهميش أبناء المجتمع الإيزيدي في شنكال وكسر شوكتهم من خلال الاتفاقيات والتواطؤ، وذلك عبر إبرام إتفاقية من دون الرجوع إلى المجتمع الإيزيدي وهذا ما يسمّيها الإيزيديون بإبادة أخرى عن طريق القانون.
في 9 تشرين الأول 2020، وقّع الحزب الديمقراطي الكردستاني اتفاقاً مع رئيس وزراء السابق، مصطفى الكاظمي وبالتنسيق مع حكومة تركيا، لإنهاء نظام الإدارة الذاتية في شنكال، أطلقوا على الاتفاقية اسم "اتفاقية شنكال الأمنية والإدارية" ووضع الجانبان شنكال والإيزيديين أمام مصيدة داعش.
ولا يزال الإيزيديون وأهالي شنكال في نضال مستمر ضد هذه الاتفاقية الموقّعة لمنع تنفيذ بنودها بأي شكل من الأشكال، حاول الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر من مرّة السيطرة على شنكال، لكن أهالي شنكال لم يسمحوا بذلك وأحبطوا جهودهم وكل محاولاتهم.
-
الصراع على الزعامة الدينية الإيزيدية.. فرصة الأحزاب الكردية لتمزيق أقليّة عراقية مضطهدة
